وثانياً : ثقلها عليها إمّا كسلاً كأعمال الجوارح أو بخلاً كالانفاق فيما يؤمر به أو هما معاً كالحجّ والجهاد. ولها شرائط يزيد لأجلها المشقّة لمنافرتها للطبع أيضاً كالاخلاص في النيّة والتوجّه والحضور المتوقّفين على قلّة التعلّق بالدنيا من أوّل الفعل إلى آخره ، وعدم الاخلال بوظائفها وآدابها ، وعدم إبطال الصدقات بالمنّ والأذي ، وغير ذلك ممّا لاتشتهيه الأنفس.
والثاني : ترك ما يشقّ عليها تركه كالمعاصي ، لكون الطبيعة مجبولة عليها مع كثرة أعوانها من جنود الشرّ واعتياد النفس بها من مشاهدة كثرة الإتيان بها من بني نوعها ، فإنّ العادة كالطبيعة الثانية ، ولذا إنّ الاستبعاد في المعاصي الغير الشائعة أكثر منه في الشائعة وإن كانت أشدّ وأعظم.
ثمّ إنّ لها مراتب شدّة وضعفاً لاختلاف دواعيها قوّة وضعفاً ، واختلافها صعوبة وسهولة ، فما كانت أسهل كان تركه أشدّ كمعاصي اللسان من الكذب والغيبة والبهتان ، سيّما إذا اشتملت على ما يوافق الطبع من التعزّز والربوبيّة كتزكية النفس وكالخواطر النفسانية باختلاج الوساوس الشيطانية ، فلا يمكن الصبر عليها لغاية سهولتها الا بالاشتغال بهمّ يغلب عليه ويستغرق فيه.
وإما غير مقدور له وهو أيضاً على قسمين :
الأوّل : ما يقدر معه على تحصيل التشفّي بالاتيان بمثل ما فعل أو ما يزيد عليه كالأذّيات الصادرة عن الغير إذا أمكن له المعارضة بما ذكر كشتم بمثله أو ضرب بمثله ، والصبر عليه إمّا واجب كما ذكرنا ، أو مستحب نحو الجائز شرعاً ، ولذا أمر الله نبيّه وأمّة نبيّه بذلك في مواضع كثيرة ، فقال :
( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) (١) ( ودع أذاهم وتوكّل على الله ). (٢)
__________________
١ ـ الأحقاف : ٣٥.
٢ ـ الأحزاب : ٤٨.