٤ ـ إنّه يقول : ( وأَمّا « المعزّي الروح القدس » الذي سيرسله الأب باسمي ، فهو يعلمكم كل شيء ، ويذكركم بكل ما قلته لكم ) وهذه الجملة تناسب أن يكون المبشر به نبيّاً يأتي بعد فترة من رسالة النبي السابق بعد أن تصير الشريعة السابقة على وشك الإضمحلال والإندثار . فيأتي النبي اللاحق ، يذكر بالمنسيّ ، ويزيل الصدأ عن الدين .
وأمّا لو كان المراد هو روح القدس فقد نزل على الحواريين بعد خمسين يوماً من فَقْد المسيح ، حسب ما ينصّ عليه كتاب أعمال الرسل (١) . أفيظن أنّ الحواريين نسوا في هذه المدة اليسيرة معالم المسيح وتعاليمه حتى يكون النازل هو الموعود به ؟! .
٥ ـ ويصف المسيح المبشر به ، بقوله : ( فهو يشهد لي ) . وهذه العبارة تناسب أن يكون المبشر به هو النبي الخاتم حيث بُعِثَ مصدِّقاً للشرائع السابقة والكتب السالفة ، وقد أمره سبحانه أن يخاطب أهل الكتاب بقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم ) (٢) ، وغير ذلك . ومن المعلوم أنّ الرسول الأكرم شهد برسالة المسيح ، ونَزَّه أُمَّه وابنها ، عن كل عيب وشين ، وردّ كلَّ ما أُلصق بهما من جهلة اليهود من التهم التافهة . وهذا بخلاف ما إذا فسِّر بروح القدس ، إذ لم يكن للمسيح يومذاك أي حاجة لشهادته ، ودينُه وشريعتُه بَعْدُ غضّانِ طريّان .
٦ ـ إنّه يقول : ( لأنّه إن لم انطلق ، لا يأتيكم « المعزي » ، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم ) . وهذا يناسب أن يكون المُبَشّر به نبياً ، حيث علّق مجيئه بذهابه ، لأنّه جاء بشريعة عالمية ، ولا تصحّ سيادة شريعتين مختلفتين على أُمةٍ واحدةٍ .
ولو كان المُبَشَّر به هو روح القدس ، لما كان لهذا التعليق معنى ، لأنّ روح
__________________
(١) أعمال الرسل ، الأصحاح الأول : الجملة ٥ . والأصحاح الثاني : الجملات ١ ـ ٤ ، ط دار الكتاب المقدس .
(٢) سورة النساء : الآية ٤٧ .