فلما سمع أسعد ، قال : « أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأَنَّكَ رسولُ الله . بأبي أنت وأُمّي ، أنا من أَهل يثرب ومن الخزرج ، وبَيْنَنا وبَيْنَ إخواننا من الأَوس حبال مقطوعة ، فإنْ وصلها الله بك ، فلا أجد أعزّ منك ، ومعي رجل من قومي ، فإنْ دخل في هذا الأمر ، رجوت أن يُتِمَّ الله لنا أمرنا فيك . . . فالحمد لله الذي ساقنا إليك ، والله ما جئت إلّا لنطلب الحلف على قومنا ، وقد آتانا الله بأفضل ما أتيت له » .
ثم أقبل زكوان ، فقال له أسعد : « هذا رسول الله الذي كانت اليهود تبشرنا به ، وتخبرنا بصفته ، فَهَلُمّ فأَسلم » .
فأَسلم زكوان . ثم قالا : « يا رسول الله ، إبعث معنا رجلاً يعلمنا القُرآن ، ويدعو الناس إلى أَمرك » .
فأمر رسول الله مصعب بن عُمير ـ وكان فتى حدثاً مُتْرَفاً بين أَبويه ، يكرمانه ويفضلانه على أولادهم ، ولم يخرج من مكة ، فلما أسلم جفاه أبواه ، وكان مع رسول الله في الشعب حتى تغير وأصابه الجهد ، وقد كان يعلم من القرآن كثيراً ـ أمره بالخروج مع أسعد وزكوان ، فخرج معهما إلى المدينة ، وقدما على قومهما وأخبراهم بأمر رسول الله وخَبَره ، فأجاب من كلّ بطنٍ ، الرجل والرجلان (١) .
ترى أنّ سماع الآيتين يصنع من الكافر الوثني مسلماً موحّداً ، شهماً هماماً ، يفدي بنفسه وماله في طريق دينه ، وما ذاك إلّا لتيقّنه من أنّ القرآن كلام سماوي خارج عن طوق قدرة البشر . وقد كان النصر حليف بعيث رسول الله ، وما كان ذاك ، إلّا لأنّه كان يقرأ ما نزل من القرآن وَحَفِظَهُ ، حتى أنّ أُسيد بن الحضير رئيس الخزرجين ـ لما سمع منه قوله سبحانه : ( حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . . ) (٢) ، ظهرت أَمارات الإيمان في وجهه ، فبعث إلى منزله من يأتيه بثوبين طاهرين ، واغتسل ،
__________________
(١) أعلام الورى لأعلام الهدى ، ص ٣٧ ـ ٣٨ .
(٢) الآيات من أول سورة فصلت .