الإنسان إلى الإنتقال إلى سمات أُخرى لدعوته ، منها :
١ ـ سرعة انتشارها في أقطار العالم جميعاً لا سيما بين الأُمم المتحضرة ، سرعة لم ير التاريخ لها مثيلاً . فطفق المعتنقون به ، المجهزون بسلاح الإيمان والإخلاص ، يغلبون الأُمم القوية المتحضرة المجهزة بأرهب أنواع السلاح المادي وأفتكه . ولم يمض قرن ونصف من رحيل صاحب الدعوة ، إلّا وقد ملأ الإسلام مشارق الأرض ومغاربها ، وانتشر انتشاراً حيّر النُّهى والعقول .
٢ ـ إنّ الأُمَّةَ المؤمنة ، وإن غلبت أصحاب الحضارات ، وأزالت عروشهم ، لكنها ما عَفَت على حضاراتهم العلمية والصناعية ، بل حفظت الصالح منها ، وقامت بتأسيس حضارة جديدة تشتمل على الأصلح من السابقة ، وما أبدعته هي . وبذلك افترقت عن سائر الثورات البشرية التي كثيراً ما تنجر إلى تخريب البلدان وتدمير الحضارات . فأصبح التمدن الإسلامي ، حضارة إنسانية مكتملة الأبعاد ، بلغت في العظمة إلى حدّ شكّلت معه الأساس الذي بنيت عليه الحضارة الغربية الحديثة ، بحيث لولا الحضارة الإسلامية لزالت الحضارات السابقة عليها ، ولما لحقها أيّ تمدن ، لأنّها صانت السالف من الحضارات عن الإندثار والضياع ، وطورته وأبدعت فيه . فالحضارة الإسلامية ـ بلا تحفظ ـ جسر بين الحضارات اليونانية والرومانية والفارسية ، والتمدّن الصناعي الحديث .
٣ ـ تضحية المعتنقين لدينه ، وتفانيهم في سبيله بالنفس والنفيس ، وذلك في ظل تحقق شعور ديني عميق وإيمان قوي به وبشريعته ، حتى قدّموا كلّ دقيق وجليل مما يملكون في سبيل نصرته وإعزازه ، وهذا لو دلّ على شيء لدلّ على إيمانهم بفضائله وكمالاته ، وإيقانهم بأنّه رجل إلهي سماوي ، بعث لإنقاذ البشر ، وأنّ اجتماعهم والتفافهم حوله لم يكن طلباً لشيء من الزخارف الدنيوية . وهذا وإن كان لا يصدق على جميع أصحابه وحوارييه ، لكنه صادق على الكثيرين ممن تربوا في أحضانه ، واستنارت ألبابهم واستقامت فطرهم في ظل تعاليم شريعته .
وبعد جميع ما ذكرناه ، فاللازم على
المنصف المتحري للحقيقة ، أن يبحث عن حقيقة هذه الدعوة ، وصحة دلائلها ، حتى يجيب الداعي النفساني للمعرفة