الله سبحانه ، فإنّه ممكن بالذات ، فيقع تحت إطار قدرته ، فبإمكانه تعالى إخلاد المطيع في نار جهنم ، لكنه لا يصدر منه ، لكونه مخالفاً للحكمة ، ومبائناً لما وعد به .
وعلى ذلك فامتناع صدور الفعل من الإنسان ، حفظاً للأغراض والغايات ، لا يكون دليلاً على سلب الإختيار والقدرة .
وهكذا ، فالنبي المعصوم قادر على اقتراف المعاصي ، بمقتضى ما أُعطي من القدرة والحرية ، غير أنّ تقواه العالية وعلمه بآثار المعاصي ، واستشعاره عظمة الخالق ، يصدّه عن ذلك ، فهو كالوالد العطوف الذي لا يُقدم على ذبح ولده ولو أُعطي ملء الأرض ذهباً ، وإن كان مع ذلك قادراً على قطع وتينه ، كما يقطع وتين عدوه .
يقول العلامة الطباطبائي : إنّ ملكة العصمة لا تغيّر الطبيعة الإنسانية المختارة في أفعالها الإرادية ، ولا تُخرجها إلى ساحة الإجبار والإضطرار . كيف ، والعلم من مباديء الإختيار ، ومجرّد قوة العلم لا يوجب إلّا قوة الإرادة . كطالب السلامة إذا أيقن بكون مائع ما سمّاً قاتلاً من حينه ، فإنّه يمتنع باختياره من شربه ، ويشهد على ذلك قوله سبحانه : ( وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * ذَٰلِكَ هُدَى اللَّـهِ ، يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (١) ، والضمير في ( وَاجْتَبَيْنَاهُمْ ﴾ يرجع إلى الأنبياء . وفي الوقت نفسه تفيد الآية أنّ في إمكانهم أن يشركوا بالله ، غير أنّ الإجتباء والهداية الإلهية ، يمنعان من ذلك .
ومثله قوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ، وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ (٢) .
__________________
(١) سورة الأنعام : الآيتان ٨٧ ـ ٨٨ .
(٢) سورة المائدة : الآية ٦٧ .