والجواب من وجهين :
الأول : إنّ العصمة كما عرفت غصن من دوحة التقوى ، ونتيجة العلم القطعي بعواقب المعاصي ، واستشعار عظمة الربّ . وهذه ليست وليدة ساعتها ، فينقلب غير المعصوم معصوماً بنزول جبرائيل عليه وإكسائه ثوب الرسالة ، بل هي ملكة نفسانية لا تحصل إلّا بعد رياضات ومجاهدات . فلا معنى حينئذٍ لجعل البعثة حداً في حياة النبي ، لأنّا إذا قلنا بعصمته ـ وهي ملكة نفسانية ـ وجب أن تمتد جذورها إلى ما قبل البعثة بزمن مديد .
الثاني : لو كانت سيرة الداعي إلى الله ، قبل بعثته مخالفة لما هو عليه بعدها ، بأن يكون قبلها إنساناً سافلاً مرتكباً لقبائح الأعمال ، لا يحصل الوثوق بقوله وإن صار إنساناً مثالياً ، بل يتسرب الريب إلى كل ما يتفوّه به من أمرٍ ونهي وإرشاد ، بحجة أنّه كان في طرف من حياته متهتكاً ، ملقياً جلباب الحياء ، فكيف انقلب إلى رجل مثالي معصوم ؟! .
لا شك أنّ لكل صفحة من صفحات عمر الإنسان الداعي تأثيراً في جلب ثقة الناس وانقيادهم إليه ، ولو كانت ملطخة بالسواد في بعضها ، لما سكنت إليه النفوس . فَتَحَقُّقُ الغرض الكامل من البعثة رهن عصمته في جميع فترات عمره . يقول السيد المرتضى ـ رحمه الله ـ في الإجابة عن هذا السؤال :
« إنّا نعلم أنّ من نجوِّز عليه
الكفر والكبائر في حال من الأحوال ، وإن تاب منهما ، وخرج من استحقاق العقاب به ، لا نسكن إلى قبول قوله مثل سكوننا إلى من لا يجوز عليه ذلك في حال من الأحوال ، ولا على وجه من الوجوه . ولهذا لا يكون حال الواعظ لنا ، الداعي إلى الله تعالى ، ونحن نعرفه ، مقارناً للكبائر ، مرتكباً لعظيم الذنوب ، وإن كان قد فارق جميع ذلك وتاب منه عندنا وفي نفوسنا ، كحال من لم نعهد منه إلّا النزاهة والطهارة . ومعلوم ضرورةً الفرق بين هذين الرجلين فيما يقتضي السكون النفور ، ولهذا كثيراً ما يعيّر الناس من يعهدون منه القبائح المتقدمة ، بها ، وإن وقعت التوبة منها ، ويجعلون ذلك عيباً ونقصاً وقادحاً . وليس إذاً تجويز الكبائر قبل النبوة منخفضاً عن تجويزها في حال النبوة