العقل وإن أدرك كثيرا من الحقائق إلّا إنّه يقف عند ما يتوغل متعمقا في التفكير للكشف عن النفس والروح ونشأتها وأحوالها في الدنيا والآخرة ، فلا يصل إلى شيء يمكن القطع به ، لأن النفس أسمى معنى وشأنا عن أن يدرك العقل وحده حقيقتها وحالاتها مهما كبر ونضج ، لأنها مخلوق مجهول الكنه عند العقل فلا يمكنه معرفتها إلّا بالاستعانة بالأنبياء الذين أمدهم الله تعالى شأنه بالعلم وكشف لهم عن الكون وما فيه من مخلوقات بمقدار ما اقتضت المصلحة كشفه لهم.
النفس الإنسانية ليس لها درجة معينة في الوجود كسائر الموجودات الطبيعية حتى يمكن أن يدعي أحد أنه عرف حقيقتها وأحوالها ، بل هي ذات مقامات ودرجات متفاوتة ولها نشئات سابقة ولا حقة ـ من دور الجنين والصبا إلى الشيخوخة إلى خروجها من البدن ، وإلى عالم بقائها في البرزخ ، ثم في عالم الخلود ـ ولها في كل مقام وعالم صورة.
وإذا كان هذا شأنها يتعذر علينا فهم حقيقتها ، والقوم ـ أي الفلاسفة ـ لم يدركوا إلّا ما هو من لوازم وجود النفس من جهة البدن وعوارضه من الإدراك والتحريك ـ مثلا ـ الذي يشترك به جميع الحيوانات ،