قال : خذ بارك الله لك فيه ، هذا ما وعدك الله في الدنيا ، وما ذخر لك في الآخرة أفضل ، ثم يتلو هذه الآية. ثم إنّ الله أثنى عليهم ومدحهم بالصّبر فقال : (الَّذِينَ صَبَرُوا) أي : على دينهم ، لم يتركوه لأذى نالهم ، وهم في ذلك واثقون بربّهم.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤))
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً).
(٨٦٠) قال المفسّرون : لمّا أنكر مشركو قريش نبوّة محمّد صلىاللهعليهوسلم وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، فهلّا بعث إلينا ملكا! فنزلت هذه الآية.
والمعنى : أنّ الرّسل كانوا مثلك آدميّين ، إلّا أنهم يوحى إليهم. وقرأ حفص عن عاصم : «نوحي» بالنون وكسر الحاء. (فَسْئَلُوا) يا معشر المشركين (أَهْلَ الذِّكْرِ) وفيهم أربعة أقوال (١) : أحدها : أنهم أهل التّوراة والإنجيل ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : أهل التّوراة ، قاله مجاهد. والثالث : أهل القرآن ، قاله ابن زيد. والرابع : العلماء بأخبار من سلف ، ذكره الماوردي. وفي قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) قولان : أحدهما : لا تعلمون أنّ الله تعالى بعث رسولا من البشر. والثاني : لا تعلمون أنّ محمّدا رسول الله. فعلى القول الأول ، جائز أن يسأل من آمن برسول الله ومن كفر ، لأنّ أهل الكتاب والعلم بالسّير متّفقون على أنّ الأنبياء كلّهم من البشر ، وعلى الثاني إنّما يسأل من آمن من أهل الكتاب. وقد روي عن مجاهد (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) قال : عبد الله بن سلام ، وعن قتادة ، قال : سلمان الفارسيّ.
قوله تعالى : (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) في هذه «الباء» قولان : أحدهما : أنّ في الكلام تقديما وتأخيرا ، تقديره : وما أرسلنا من قبلك إلّا رجالا أرسلناهم بالبيّنات. والزّبر : الكتاب. وقد شرحنا هذا في آل عمران (٢).
____________________________________
(٨٦٠) ضعيف جدا ، ذكره الواحدي في «أسباب نزول القرآن» ٥٦٢ من دون عزو لقائل ، فهو لا أصل له من هذا الوجه. وأخرجه الطبري ٢١٦٠٢ من طريق بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس ، وهذا إسناد ساقط ، بشر ضعيف ، والضحاك لم يلق ابن عباس.
__________________
(١) قال الحافظ ابن كثير رحمهالله ٢ / ٧٠٥ : روى مجاهد عن ابن عباس أن المراد بأهل الذكر : أهل الكتاب ، وقاله مجاهد والأعمش ، وقول عبد الرحمن بن زيد الذكر : القرآن ، واستشهد بقوله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) صحيح لكن ليس هو المراد هاهنا لأن المخالف لا يرجع في إثباته بعد إنكاره إليه ، وكذا قول أبي جعفر الباقر : نحن أهل الذكر ، ومراده : أن هذه الأمة أهل الذكر صحيح ، فإن هذه الأمة أعلم من جميع الأمم السابقة ، وعلماء أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم من خير العلماء إذا كانوا على السنة المستقيمة كعلي وابن عباس وابني علي : الحسن والحسين ومحمد ابن الحنفية وعلي بن الحسين زين العابدين وعلي بن عبد الله بن عباس وأبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسين وجعفر ابنه وأمثالهم وأضرابهم وأشكالهم ممن هو متمسك بحبل الله المتين وصراطه المستقيم وعرف لكل ذي حق حقه ، ونزل كل المنزل الذي أعطاه الله ورسوله واجتمعت عليه قلوب عباده المؤمنين.
(٢) عند الآية : ١٨٤.