سورة الحجر
وهي مكّيّة كلّها من غير خلاف نعلمه
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١))
قوله تعالى : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) قد سبق بيانه. قوله تعالى : (وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) فيه قولان : أحدهما : أنّ القرآن : هو الكتاب ، جمع له بين الاسمين. والثاني : أنّ الكتاب : هو التّوراة والإنجيل ، والقرآن : كتابنا. وقد ذكرنا في أوّل يوسف معنى المبين.
(رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢))
قوله تعالى : (رُبَما) وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ «ربّما» مشدّدة. وقرأ نافع ، وعاصم ، وعبد الوارث «ربما» بالتّخفيف. قال الفرّاء : أسد وتميم يقولون : «ربّما» بالتشديد ، وأهل الحجاز وكثير من قيس يقولون : «ربما» بالتّخفيف. قال الفرّاء : أسد وتميم يقولون : «ربّما» بالتشديد ، وأهل الحجاز وكثير من قيس يقولون : «ربما» بالتخفيف. وتيم الرّباب يقولون : «ربّما» بفتح الراء. وقيل : إنما قرئت بالتّخفيف ، لما فيها من التّضعيف ، والحروف المضاعفة قد تحذف ، نحو «إنّ» و «لكنّ» فإنهم قد خفّفوها. قال الزّجّاج : يقولون : ربّ رجل جاءني ، ورب رجل جاءني ، وأنشد :
أزهير إن يشب القذال فإنّني |
|
رب هيضل مرس لففت بهيضل (١) |
هذا البيت لأبي كبير الهذلي ، وفي ديوانه :
رب هيضل لجب لففت بهيضل
والهيضل : جمع هيضلة ، وهي الجماعة يغرى بهم ، يقول لففتهم بأعدائهم في القتال.
و «ربّ» كلمة موضوعة للتّقليل ، كما أنّ «كم» للتّكثير ، وإنما زيدت «ما» مع «ربّ» ليليها الفعل ، تقول : ربّ رجل جاءني ، وربّما جاءني زيد. وقال الأخفش : أدخل مع «ربّ» ما ، ليتكلّم بالفعل بعدها ، وإن شئت جعلت «ما» بمنزلة «شيء» ، فكأنّك قلت : ربّ شيء ، أي : ربّ ودّ يودّه الذين كفروا. وقال أبو سليمان الدّمشقي : «ما» ها هنا بمعنى «حين» ، فالمعنى : ربّ حين يودّون فيه. واختلف المفسّرون متى يقع هذا من الكفّار ، على قولين :
أحدهما : أنه في الآخرة. ومتى يكون ذلك؟ فيه أربعة أقوال :
__________________
(١) «ديوان الهذليين» ٢ / ٨٩. والقذال : جماع مؤخر الرأس ، معقد العذار من الفرس خلف الناصية.