المعنى : بلى يبعثهم فيبين لهم ، ويجوز أن يكون متعلّقا بقوله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً) ليبيّن لهم. وللمفسّرين في قوله (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ) قولان : أحدهما : أنهم جميع الناس ، قاله قتادة. والثاني : أنهم المشركون ، يبيّن لهم بالبعث ما خالفوا المؤمنين فيه.
قوله تعالى : (أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) أي : فيما أقسموا عليه من نفي البعث. ثم أخبر بقدرته على البعث بقوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة «فيكون» رفعا ، وكذلك في كلّ القرآن. وقرأ ابن عامر ، والكسائيّ «فيكون» نصبا. قال مكّيّ بن إبراهيم : من رفع ، قطعه عمّا قبله ، والمعنى : فهو يكون ، ومن نصب ، عطفه على «يقول» ، وهذا مثل قوله : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، وقد فسّرناه في البقرة (١). فإن قيل : كيف سمّي الشيء قبل وجوده شيئا؟. فالجواب : أنّ الشيء وقع على المعلوم عند الله قبل الخلق ، لأنه بمنزلة ما قد عوين وشوهد.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ) اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال :
(٨٥٩) أحدها : أنها نزلت في ستة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بلال ، وعمّار ، وصهيب ، وخبّاب بن الأرتّ ، وعايش وجبر موليان لقريش ، أخذهم أهل مكّة فجعلوا يعذّبونهم ، ليردّوهم عن الإسلام ، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني : أنها نزلت في أبي جندل بن سهيل بن عمرو ، قاله داود بن أبي هند.
والثالث : أنهم جميع المهاجرين من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قاله قتادة. ومعنى (هاجروا في الله) ، أي : في طلب رضاه وثوابه (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) بما نال المشركون منهم ، (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) وفيها خمسة أقوال (٢) : أحدها : لنزلنّهم المدينة ، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، والشّعبيّ ، وقتادة ، فيكون المعنى : لنبوّئنّهم دارا حسنة وبلدة حسنة. والثاني : لنرزقنّهم في الدنيا الرزق الحسن ، قاله مجاهد. والثالث : النّصر على العدوّ ، قاله الضّحّاك. والرابع : أنه ما بقي بعدهم من الثّناء الحسن ، وصار لأولادهم من الشّرف ، ذكره الماوردي ، وقد روي معناه عن مجاهد ، فروى عنه ابن أبي نجيح أنه قال : (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) قال : لسان صادق. والخامس : أنّ المعنى : لنحسننّ إليهم في الدنيا ، قال بعض أهل المعاني : فتكون على هذه الأقوال «لنبوّئنهم» ، على سبيل الاستعارة ، إلّا على القول الأول.
قوله تعالى : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) قال ابن عباس : يعني : الجنّة ، (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) يعني : أهل مكّة. ونقل عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ، أنه كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه ،
____________________________________
(٨٥٩) عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس ، وتقدم الكلام على هذه الرواية مرارا ، فهو لا شيء.
__________________
(١) عند الآية : ١١٧.
(٢) قال الإمام الطبري رحمهالله ٧ / ٥٨٦ : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال ؛ معنى (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) : لنحلنهم ولنسكننهم ، لأن التبوء في كلام العرب الحلول بالمكان والنزول به ، ومنه قول الله تعالى : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) ـ يونس : ٩٣ ـ.