قوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) قال عكرمة : هؤلاء قوم كانوا بمكّة أقرّوا بالإسلام ولم يهاجروا ، فأخرجهم المشركون كرها إلى بدر ، فقتل بعضهم ، وقد شرحنا هذا في سورة (النساء) (١). قوله تعالى : (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) قال ابن قتيبة : انقادوا واستسلموا ، والسّلم : الاستسلام. قال المفسّرون : وهذا عند الموت يتبرّؤون من الشّرك ، وهو قولهم : (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) وهو الشّرك ، فتردّ عليهم الملائكة فتقول : «بلى». وقيل : هذا ردّ خزنة جهنّم عليهم (بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من الشّرك والتّكذيب. ثم يقال لهم : ادخلوا أبواب جهنّم ، وقد سبق تفسير ألفاظ الآية (٢).
(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢))
قوله تعالى : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ).
(٨٥٧) روى أبو صالح عن ابن عباس أنّ مشركي قريش بعثوا ستة عشر رجلا إلى عقاب (٣) مكّة أيام الحجّ على طريق الناس ، ففرّقوهم على كلّ عقبة أربعة رجال ، ليصدّوا الناس عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا لهم : من أتاكم من الناس يسألكم عن محمّد فليقل بعضكم شاعر ، وبعضكم كاهن ، وبعضكم مجنون ، وألّا تروه ولا يراكم خير لكم ، فإذا انتهوا إلينا صدّقناكم ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فبعث إلى كلّ أربعة منهم أربعة من المسلمين ، فيهم عبد الله بن مسعود ، فأمروا أن يكذّبوهم ، فكان الناس إذا مرّوا على المشركين ، فقالوا ما قالوا ، ردّ عليهم المسلمون ، وقالوا : كذبوا ، بل يدعو إلى الحقّ ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الخير ، فيقولون : وما هذا الخير الذي يدعو إليه؟ فيقولون : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ).
قوله تعالى : (قالُوا خَيْراً) أي : أنزل خيرا ، ثم فسّر ذلك الخير فقال : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا) قالوا : لا إله إلّا الله ، وأحسنوا العمل (حَسَنَةٌ) أي : كرامة من الله تعالى في الآخرة ، وهي الجنة ، وقيل : «للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة» في الدنيا وهي ما رزقهم من خيرها وطاعته فيها ، (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) يعني : الجنّة (خَيْرٌ) من الدنيا.
وفي قوله تعالى : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) قولان : أحدهما : أنها الجنّة ، قاله الجمهور. قال ابن الأنباري : في الكلام محذوف ، تقديره : ولنعم دار المتّقين الآخرة ، غير أنه لمّا ذكرت أولا ، عرف
____________________________________
(٨٥٧) لا أصل له ، عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس ، ورواية أبي صالح هو الكلبي ، وقد رويا عن ابن عباس تفسيرا مصنوعا ، ليس له أصل ، وتفردهما بهذا الخبر لا شيء ، وهو مما لا أصل له.
__________________
(١) سورة النساء : ٩٧.
(٢) انظر النساء : ٩٧ ، الحجر : ٤٤.
(٣) في «اللسان» العقاب : جمع عقبة ، والعقبة : طريق في الجبل وعر.