معناها آخرا ، ويجوز أن يكون المعنى : ولنعم دار المتّقين جنّات عدن. والثاني : أنها الدنيا. قال الحسن : ولنعم دار المتّقين الدنيا ، لأنهم نالوا بالعمل فيها ثواب الآخرة.
قوله تعالى : (جَنَّاتُ عَدْنٍ) قد شرحناه في (براءة) (١).
قوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) وقرأ حمزة «يتوفاهم» بياء مع الإمالة. وفي معنى (طَيِّبِينَ) خمسة أقوال : أحدها : مؤمنين. والثاني : طاهرين من الشّرك. والثالث : زاكية أفعالهم وأقوالهم. والرابع : طيّبة وفاتهم سهل خروج أرواحهم. والخامسة : طيّبة أنفسهم بالموت ، ثقة بالثواب. قوله تعالى : (يَقُولُونَ) يعني الملائكة (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ، وفي أيّ وقت يكون هذا السلام؟ فيه قولان : أحدهما : عند الموت. قال البراء بن عازب : يسلّم عليه ملك الموت إذا دخل عليه. وقال القرظيّ : ويقول له : الله عزوجل يقرأ عليك السّلام ، ويبشّره بالجنّة. والثاني : عند دخول الجنّة. قال مقاتل : هذا قول خزنة الجنّة لهم في الآخرة. يقولون : سلام عليكم.
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤))
قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) وقرأ حمزة ، والكسائيّ «يأتيهم» بالياء ، وهذا تهديد للمشركين ، وقد شرحناه في سورة البقرة (٢). وآخر سورة الأنعام (٣). وفي قوله تعالى : (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) قولان : أحدهما : أمر الله فيهم ، قاله ابن عباس. والثاني : العذاب في الدنيا ، قاله مقاتل.
قوله تعالى : (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يريد : كفّار الأمم الماضية ، كذّبوا كما كذّب هؤلاء. (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بإهلاكهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بالشّرك (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) أي : جزاؤها ، قال ابن عباس : جزاء ما عملوا من الشّرك ، (وَحاقَ بِهِمْ) قد بيّناه في سورة الأنعام (٤) ، والمعنى : أحاط بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) من العذاب.
(وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥) وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧))
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) يعني : كفّار مكّة (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ)
__________________
(١) سورة التوبة : ٧٢.
(٢) سورة البقرة : ٢١٠.
(٣) عند الآية : ١٥٨.
(٤) عند الآية : ١٠.