الفاسد. وفي الهاء والميم من «قبلهم» قولان : أحدهما : أنها للمقتسمين على عقاب مكّة ، قاله ابن السّائب. والثاني : لكفّار مكّة ، قاله مقاتل.
قوله تعالى : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) أي : من الأساس. قال المفسّرون : أرسل الله ريحا فألقت رأس الصّرح في البحر ، وخرّ عليهم الباقي. قال السّدّيّ : لمّا سقط الصّرح ، تبلبلت ألسن الناس من الفزع ، فتكلّموا بثلاثة وسبعين لسانا ، فلذلك سمّيت «بابل» (١) ، وإنما كان لسان الناس قبل ذلك بالسّريانيّة ، وهذا قول مردود ، لأنّ التّبلبل يوجب الاختلاط والتّكلّم بشيء غير مستقيم ، فأمّا أن يوجب إحداث لغة مضبوطة الحواشي ، فباطل ، وإنما اللغات تعليم من الله تعالى. فإن قيل : إذا كان الماكر واحدا ، فكيف قال : «الذين» ولم يقل : «الذي»؟ ، فعنه ثلاثة أجوبة : أحدها : أنه كان الماكر ملكا له أتباع ، فأدخلوا معه في الوصف. والثاني : أنّ العرب توقع الجمع على الواحد ، فيقول قائلهم : خرجت إلى البصرة على البغال ، وإنما خرج على بغل واحد. والثالث : أنّ «الذين» غير موقع على واحد معيّن ، لكنه يراد به : قد مكر الجبّارون الذين من قبلهم ، فكان عاقبة مكرهم رجوع البلاء عليهم ، ذكر هذه الأجوبة ابن الأنباري. قال : وذكر بعض العلماء : أنه إنما قال : «من فوقهم» ، لينبّه على أنهم كانوا تحته ، إذ لو لم يقل ذلك ، لاحتمل أنهم لم يكونوا تحته ، لأنّ العرب تقول : سقط علينا البيت ، وخرّ علينا الحانوت ، وتداعت علينا الدّار ، وليسوا تحت ذلك.
قوله تعالى : (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) أي : من حيث ظنّوا أنهم آمنون فيه. قال السّدّيّ : أخذوا من مأمنهم ، وروى عطيّة عن ابن عباس قال : خرّ عليهم عذاب من السماء ، وعامّة المفسّرين على ما حكيناه من أنه بنيان سقط. وقال ابن قتيبة : هذا مثل ، والمعنى : أهلكهم الله ، كما هلك من هدم مسكنه من أسفله ، فخرّ عليه.
قوله تعالى : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ) أي : يذلّهم بالعذاب. (وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ) قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائيّ ، «شركائي الذين» بهمزة وفتح الياء ، وقال البزّيّ عن ابن كثير : «شركاي» مثل : هداي ، والمعنى : أين شركائي على زعمكم؟ هلّا دفعوا عنكم!. (الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) أي : تخالفون المسلمين فتعبدونهم وهم يعبدون الله ، وقرأ نافع : «تشاقّون» بكسر النون ، أراد : تشاقّونني ، فحذف النون الثانية ، وأبقى الكسرة تدلّ عليها ، والمعنى : كنتم تنازعونني فيهم ، وتخالفون أمري لأجلهم.
قوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) فيهم ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم الملائكة ، قاله ابن عباس. والثاني : الحفظة من الملائكة ، قاله مقاتل. والثالث : أنهم المؤمنون.
فأمّا «الخزي» فقد شرحناه في مواضع (٢) ، و «السّوء» ها هنا : العذاب.
(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩))
__________________
(١) في «اللسان» بابل : موضع بالعراق ، وقيل : موضع ينسب إليه السحر والخمر.
(٢) انظر تفسير آل عمران : ١٩٢.