(إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧))
قوله تعالى : (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) قد ذكرناه في سورة (البقرة) (١).
قوله تعالى : (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي : بالبعث والجزاء (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) أي : جاحدة لا تعرف التّوحيد (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) أي : ممتنعون من قبول الحقّ.
قوله تعالى : (لا جَرَمَ) قد فسّرناه في (هود) (٢). ومعنى الآية : أنّه يجازيهم بسرّهم وعلنهم ، لأنه يعلمه. والمستكبرون : المتكبّرون عن التّوحيد والإيمان. وقال مقاتل : (ما يسرون) حين بعثوا في كلّ طريق من يصدّ الناس عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، (وما يعلنون) حين أظهروا العداوة لرسول الله. قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) يعني : المستكبرين (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) على محمّد صلىاللهعليهوسلم؟ قال الزّجّاج : «ما ذا» بمعنى «ما الذي». و (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) مرفوعة على الجواب ، كأنهم قالوا : الذي أنزل : أساطير الأوّلين ، أي : الذي تذكرون أنتم أنه منزّل أساطير الأوّلين. وقد شرحنا معنى الأساطير في سورة الأنعام (٣). قال مقاتل : الذين بعثهم الوليد بن المغيرة في طرق مكّة يصدّون الناس عن الإيمان ، ويقول بعضهم : إنّ محمّدا ساحر ، ويقول بعضهم : شاعر ، وقد شرحنا هذا المعنى في الحجر : في ذكر المقتسمين (٤).
قوله تعالى : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ) هذه لام العاقبة ، وقد شرحناها في غير موضع ، والأوزار : الآثام ، وإنما قال : كاملة ، لأنه لم يكفّر منها شيء بما يصيبهم من نكبة ، أو بليّة ، كما يكفّر عن المؤمن ، (وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي : أنهم أضلّوهم بغير دليل ، وإنما حملوا من أوزار الأتباع ، لأنهم كانوا رؤساء يقتدى بهم في الضّلالة ، وقد ذكر ابن الأنباري في «من» وجهين : أحدهما : أنها للتّبعيض ، فهم يحملون ما شركوهم فيه ، فأمّا ما ركبه أولئك باختيارهم من غير تزيين هؤلاء ، فلا يحملونه ، فيصحّ معنى التّبعيض. والثاني : أنّ «من» مؤكّدة ، والمعنى : وأوزار الذين يضلّونهم. (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) أي : بئس ما حملوا على ظهورهم.
قوله تعالى : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) قال المفسّرون : يعني به : النّمرود بن كنعان ، وذلك أنه بنى صرحا طويلا ، واختلفوا في طوله ، فقال ابن عباس : خمسة آلاف ذراع ، وقال مقاتل : كان طوله فرسخين ، قالوا : ورام أن يصعد إلى السماء ليقاتل أهلها بزعمه. ومعنى «المكر» ها هنا : التّدبير
__________________
(١) سورة البقرة : ١٦٣.
(٢) سورة هود : ٢٢.
(٣) سورة الأنعام : ٢٥.
(٤) سورة الحجر : ٩٠.