رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦))
قوله تعالى : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) أسكن ابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ ياء «عبادي».
قوله تعالى : (يُقِيمُوا الصَّلاةَ) قال ابن الأنباري : معناه : قل لعبادي : أقيموا الصلاة وأنفقوا ، يقيموا وينفقوا ، فحذف الأمران ، وترك الجوابان ، قال الشاعر :
فأيّ امرئ أنت أيّ امرئ |
|
إذا قيل في الحرب من يقدم |
أراد : إذا قيل : من يقدم تقدم. ويجوز أن يكون المعنى : قل لعبادي أقيموا الصلاة ، وأنفقوا ، فصرف عن لفظ الأمر إلى لفظ الخبر. ويجوز أن يكون المعنى : قل لهم ليقيموا الصلاة ، ولينفقوا ، فحذف لام الأمر ، لدلالة «قل» عليها. قال ابن قتيبة : والخلال مصدر خاللت فلانا خلالا ومخالّة ، والاسم الخلّة ، وهي الصّداقة.
قوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) أي : ذلّلها ، تجري حيث تريدون ، وتركبون فيها حيث تشاؤون. (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) لتنتفعوا بهما وتستضيئوا بضوئهما (دائِبَيْنِ) في إصلاح ما يصلحانه من النّبات وغيره ، لا يفتران. ومعنى الدّؤوب : مرور الشيء في العمل على عادة جارية فيه. (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ) لتسكنوا فيه ، راحة لأبدانكم ، (وَالنَّهارَ) لتنتفعوا بمعاشكم ، (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) وفيه خمسة أقوال : أحدها : أنّ المعنى : من كلّ الذي سألتموه ، قاله الحسن وعكرمة. والثاني : من كلّ ما سألتموه لو سألتموه ، قاله الفرّاء. والثالث : وآتاكم من كلّ شيء سألتموه شيئا ، فأضمر الشيء ، كقوله تعالى : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (١) أي ، من كلّ شيء في زمانها شيئا ، قاله الأخفش. والرابع : من كلّ ما سألتموه وما لم تسأله لأنّكم لم تسألوا شمسا ولا قمرا ولا كثيرا من النّعم التي ابتدأكم بها ، فاكتفي بالأول من الثاني ، كقوله عزوجل : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (٢) ، قاله ابن الأنباري. والخامس : على قراءة ابن مسعود ، وأبي رزين والحسن وعكرمة وقتادة وأبان عن عاصم وأبي حاتم عن يعقوب : «من كل ما» بالتنوين من غير إضافة ، فالمعنى : آتاكم من كلّ ما لم تسألوه ، قاله قتادة والضّحّاك.
قوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ) أي : إنعامه (لا تُحْصُوها) لا تطيقوا الإتيان على جميعها بالعدّ لكثرتها. (إِنَّ الْإِنْسانَ) قاله ابن عباس : يريد أبا جهل. وقال الزّجّاج : الإنسان اسم للجنس يقصد به الكافر خاصّة. وقوله تعالى : (لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) الظّلوم هاهنا : الشّاكر غير من أنعم عليه ، والكفّار : الجحود لنعم الله تعالى.
__________________
(١) سورة النمل : ٢٣.
(٢) سورة النحل : ٨١.