قال المفسّرون : هذه الآية وردت في فتنة القبر ، وسؤال الملكين ، وتلقين الله تعالى للمؤمنين كلمة الحقّ عند السؤال ، وتثبيته إيّاهم على الحقّ (١). (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) يعني : المشركين ، يضلّهم عن هذه الكلمة ، (وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) من هداية المؤمن وإضلال الكافر.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩))
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) في المشار إليهم سبعة أقوال (٢) :
أحدها : أنهم الأفجران من قريش : بنو أميّة ، وبنو المغيرة ، روي عن عمر بن الخطّاب ، وعليّ بن أبي طالب. والثاني : أنهم منافقو قريش ، رواه أبو الطّفيل عن عليّ. والثالث : بنو أميّة ، وبنو المغيرة ، ورؤساء أهل بدر الذين ساقوا أهل بدر إلى بدر ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والرابع : أهل مكّة ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال الضّحّاك. والخامس : المشركون من أهل بدر ، قاله مجاهد ، وابن زيد. والسادس : أنهم الذين قتلوا ببدر من كفّار قريش ، قاله سعيد بن جبير ، وأبو مالك. والسابع : أنها عامّة في جميع المشركين ، قاله الحسن.
قال المفسّرون : وتبديلهم نعمة الله كفرا ، أنّ الله أنعم عليهم برسوله ، وأسكنهم حرمه ، فكفروا بالله وبرسوله ، ودعوا قومهم إلى الكفر به ، فذلك قوله عزوجل : (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) أي : الهلاك. ثم فسّر الدّار بقوله تعالى : (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها) أي : يقاسون حرّها (وَبِئْسَ الْقَرارُ) أي : بئس المقرّ هي.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠))
قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) قد بيّنّاه في سورة البقرة (٣) ، واللام في «ليضلّوا» لام العاقبة ، وقد سبق شرحها (٤) ، ومن قرأ «ليضلوا» بضمّ الياء ، أراد : ليضلّوا الناس عن دين الله. قوله تعالى : (قُلْ تَمَتَّعُوا) أي : في حياتكم الدنيا ، وهذا وعيد لهم. قال ابن عباس : لو كان الكافر مريضا لا ينام ، جائعا لا يأكل ولا يشرب ، لكان هذا نعيما يتمتّع به بالقياس إلى ما يصير إليه من العذاب ، ولو كان المؤمن في أنعم عيش لكان بؤسا عند ما يصير إليه من نعيم الآخرة.
(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١) اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ
__________________
(١) قال الإمام الطبري رحمهالله ٧ / ٤٥١ : والصواب من القول في ذلك ما ثبت به الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك ، وهو أن معناه (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ، وذلك تثبيته إياهم في الحياة الدنيا بالإيمان بالله وبرسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَفِي الْآخِرَةِ) بمثل الذي ثبّتهم به في الحياة الدنيا ، وذلك في قبورهم حين يسألون عن الذي هم عليه من التوحيد والإيمان برسوله صلىاللهعليهوسلم.
(٢) انظر «تفسير ابن كثير» ٢ / ٦٦٤.
(٣) سورة البقرة : ٢٢.
(٤) سورة يونس : ٨٨.