وكل واحد من هذه الأقسام متميز عن الآخر فى الذهن ولم يلزم من ذلك كونها ثابتة فى العدم ، فكذلك هاهنا.
وأما الحجة الثانية التى عولوا عليها فى أن المعدوم شيء. وهو قولهم : ان الممكن هو الّذي يمكن تقرر ماهيته تارة مع العدم ، وأخرى مع الوجود. وذلك يقتضي جواز تقرر الماهية بدون الوجود.
فجوابها : ان الماهية اذا كانت واجبة التقرر حالتى العدم والوجود ، ممتنعة التغير فى نفسها ، أمتنع جعل الامكان صفة لها ، بل الامكان يكون صفة للوجود. ثم انا توافقنا على أن الوجود غير ثابت فى العدم ، فعاد ما ذكرنا من أن الّذي يمكن جعل الامكان وصفا له لا يعقل اثباته فى العدم ، وما يمكن اثباته فى العدم ، لا يمكن جعل الامكان وصفا له.
وأما الحجة الثالثة : وهى قولهم : الامكان صفة موجودة حاصلة قبل الوجود ، فوجب تحقق الماهية قبل الوجود.
فجوابها : قد تقدم فى مسألة حدوث العالم.
وأما الحجة الرابعة : وهى قولهم : لو كانت الماهية متجددة ، لكان وقوعها بالفاعل ممكنا. لكن وقوعها بالفاعل محال.
فجوابها : ان القادر كما يجعل الماهية موجودة ، فهو يجعل الماهية ماهية. والحجة التى تمسكتم بها فى امتناع وقوع الماهية بالفاعل ، فهى بعينها تقتضى امتناع وقوع الوجود بالفاعل ، فانه لو وقع الوجود بالفاعل ، لزم عند تقدير عدم ذلك الفاعل ، أن يخرج الوجود عن كونه وجودا. وهو محال.
فان التزموا أن الوجود لا يقع بالفاعل ، وزعموا : أن الواقع