والجواب عن السؤال الأول : انا نفرض أن الكلام فيما اذا لم يكن التعريض كافيا ، كما اذا قال : هل رأيت فلانا فى هذه الساعة؟ وهل تعرف مكانه؟ فان قلت : نعم. طالبك به وقتله لا محالة ، وان قلت : لا. فقد كذبت.
وأما السؤال الثانى : فجوابه : انه لو جاز تخلف القبح عن الكذب لمانع ، فلا كذب الا ويجوز أن يقال له : لعله وجد مانع من الموانع يمنعه من قبحه. وعلى هذا التقدير لا يمكنك الحكم القطعى بقبح شيء من الأكاذيب. أقصى ما فى الباب : أن يكون الحاصل هو الظن. وعند هذا لا يمكنك الحكم بقبح الكذب فى حق الله تعالى.
الحجة الرابعة : لو أن ظالما قال لشخص : انى سأقتلك غدا. فههنا الحسن اما أن يقتله. وهو باطل قطعا. أو أن لا يقتله ، الا أنه اذا لم يقتله صار الخبر بأنه سيقتله غدا : كذبا. فلو كان الكذب قبيحا ، لكان ترك القتل يلزمه القبيح ، وما يلزمه القبيح فهو قبيح ، فكان يجب أن يكون ترك القبيح قبيحا. ولما كان ذلك باطلا ، علمنا : أنه لا يمكن الحكم بقبح الكذب مطلقا. وبالله التوفيق.
شبهة للخصم : انا نعلم ببداهة العقل أن الظلم قبيح ، وأن الاحسان حسن. وهذا العلم غير مستفاد من الشرع. فان من ينكر الشرع ، حصل له هذا العلم. فدل ذلك على أن هذا مستفاد من العقل.
والجواب : ان هذا (٣) الحسن والقبح عبارتان عن رغبة الطبع ونفرته. ولا نزاع فى أن هذا معلوم بالعقل وانما النزاع فى أن كون الفعل متعلق الذم والعقاب ، أو متعلق المدح والثواب. هل هو لأجل صفة قائمة بالفعل؟ وما ذكرتموه لا يدل على ذلك. وتمام الكلام فيه ، مذكور فى كتاب «المحصول فى علم الأصول» والله أعلم.
__________________
(٣) ان هذان اللفظان الحسن : ب