وأما ان قلنا بأن تلك البديهيات غير تامة فى استلزام المكتسب الأول ، فحينئذ لا بد مع تلك البديهيات من شيء من المكتسبات ، فحينئذ يكون ذلك المكتسب مقدما على أول المكتسبات. وذلك محال. فثبت وما ذكرنا : أن جميع العلوم ، اما بديهية ، واما أن تكون من لوازم البديهيات. وشيء منها ليس بمكتسب ، فاذن شيء من المعلوم غير مكتسب. ولا شك فى ورود الأمر بها ، لقوله تعالى : (فَاعْلَمْ : أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [محمد ١٩] فثبت : أن تكليف ما لا يطاق لازم على الكل.
الوجه السادس : انه ورد الأمر بتحصيل معرفة الله تعالى. فنقول : اما أن يقال : انه توجه هذا الأمر على من يعرف الله ، أو على من لا يعرف الله تعالى. فان كان الأول كان هذا أمرا بتحصيل الحاصل. وانه محال. وان كان الثانى كان هذا توجها لأمر الله تعالى على من لم يكن عارفا بالله تعالى. والجاهل بالذات جاهل بالصفات ، فاذن هذا الأمر متوجه على شخص لا يمكنه حال بقاء ذلك الأمر : ان يعرف الآمر والأمر. وذلك عين تكليف ما لا يطاق.
فثبت بهذه الوجوه السنة : أن تكليف ما لا يطاق لازم على الكل. والاستقصاء فى هذا الباب ، مذكور فيما صنفناه فى أصول الفقه.
فان قيل : هب أن هذا الاشكال لازم على الكل. فما الحيلة لنا ولهم فى دفعه؟
قلنا : الحيلة ترك الحيلة ، والاعتراف بأنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وأنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وهذا آخر المباحث المحصلة فى هذا الباب. وبالله التوفيق.