أما المعتزلة : فقالوا : ان الانسان لا يمكنه أن يعيش وحده ، بل ما لم يشتغل كل واحد باعانة الآخر ، لم يحصل لكل واحد منهم مقصوده بالتمام ، وما لم يعرف كل أحد ما فى قلب الآخر من جهات الحاجات ، لا يمكنه الاشتغال باعانته. فاحتاج الانسان الى وضع طريق يعرف به غيره ما فى قلبه ، من فنون الحاجات. فاصطلحوا على جعل هذه الأصوات المقطعة بهذه التقطيعات المخصوصة ، معرفة لما فى قلوبهم من الأحوال. وقد كان يمكنهم وضع طريق آخر سوى هذا الطريق من الاشارة والايماء وتصفيق اليد والكتابة. الا أن هذا الطريق كان أسهل وأيسر.
اذا عرفت هذا فنقول : انه تعالى اذا أراد شيئا أو كره شيئا ، خلق هذه الأصوات المخصوصة فى جسم من الأجسام ، لتدل هذه الأصوات على كونه تعالى مريدا لذلك الشيء المعين ، أو كارها له ، أو كونه حاكما به بالنفى أو بالاثبات. وهذا هو المراد من كونه تعالى متكلما.
وقد نازعهم أصحابنا فيه : وقالوا : انه يمتنع أن يكون متكلما بكلام قائم بالغير ، كما أنه يمتنع أن يكون متحركا بحركة قائمة بالغير ، وساكنا بسكون قائم بالغير. وعندى : أن هذه المنازعة ضعيفة. لأن هذه المنازعة ، اما أن تكون فى المعنى ، أو فى اللفظ. أما المعنى:
فهنا شيئان :
أحدهما : أنه تعالى قادر على خلق هذه الأصوات المقطعة بالتقطيعات المخصوصة فى جسم جمادى أو حيوانى (٤) وهذا أمر لا يمكن النزاع فيه. لأن خلق هذه الأصوات والحروف فى الجسم الجمادى أو الحيوانى ممكن ، والله تعالى قادر على كل الممكنات.
__________________
(٤) نباتى : ب