احداها : ان السلطان اذا أمر «زيدا» أن يأمر عموا بشيء ، فقد يكون «زيد» كارها لصدور ذلك الفعل من «عمرو» الا أنه يأمره لأجله أن السلطان أمره بذلك. فههنا الأمر حاصل ، والإرادة غير حاصلة.
ثانيها : ما ذكره أصحابنا ـ رحمهمالله ـ من أن الرجل اذا ضرب عبده ، فشكى العبد ذلك الى السلطان ، فقال السلطان لم ضربت عبدك؟ فقال : انه لا يطيعنى ، ثم لأجل هذا العذر قال للعبد : افعل كذا وكذا. فالأمر قد حصل هاهنا. مع أنه لا يريد اقدامه على ذلك الفعل ، لأنه لو أقدم عليه لما تمهد عذره عند السلطان.
وثالثها : انه تعالى لما أخبر عن أبى جهل وأبى لهب أنهما يموتان على الكفر. والنبيعليهالسلام ـ ما كان يريد الايمان منهما لأن من لوازم صدور الايمان منهما ، دخول الكذب فى الكلام الله تعالى. ومريد الشيء مريد لما هو من لوازمه ومن ضروراته. فثبت : أنه عليهالسلام ما كان يريد الايمان منهما ، وكان صلىاللهعليهوسلم يأمرهما بالايمان ، فعلمنا : أن الأمر قد يحصل بدون الإرادة. وأما أن الإرادة قد تحصل بدون الأمر فظاهر. فان الانسان قد يصرح بذلك. ويقول: أريد منك أن تفعل هذا. الا أنى لا آمرك به.
فثبت بهذه الوجوه : أن هذا الطلب القائم بالنفس والاقتضاء الموجود فى القلب : أمر مغاير للارادة.
وأما الخبر الذهنى : فنقول : لا شك أن قولنا باللسان «قام زيد» و «ضرب عمرو» يدل على حكم ذهنى ، واسناد عقلى. وهذا الحكم الذهنى والاسناد العقلى : ظاهر أنه ليس من جنس القدرة والإرادة ، انما الّذي يقع فيه الاشتباه أن يقال : ان هذا الحكم الذهنى هو الاعتقاد أو العلم. فاذا بينا بالبرهان أنه ليس الأمر كذلك ، ظهر أن