قالت الفلاسفة : هب أن الابصار حالة مغايرة لهذا التأثير. لكن لم لا يجوز أن يقال : هذه الحالة مشروطة بحصول هذا التأثر ، ولما كان الشرط ممتنع التحقق فى حق الله تعالى ، كان المشروط أيضا كذلك؟
أجاب المتكلمون : بأنه لما ثبت أن الابصار حالة مغايرة لهذا التأثر ، فنحن انما نعول فى اثبات هذه الحالة لله تعالى ، على الدلائل السمعية. فان ظواهرها دالة على كونه بصيرا. ونحن متمسكون بالظواهر ، الا اذا أقام الخصم دليلا على أن الابصار مشروط بهذا التأثر ، ولما كان هذا الشرط محالا فى حق الله تعالى ، كان المشروط أيضا محالا. لكن هذا اشارة الى المعارضة ، ومن ادعاها فعليه البيان.
فهذا هو الكلام فى الابصار.
* * *
وأما الكلام فى السماع :
فقد قالت الفلاسفة : انه اذا حصل قرع أو قلع ، حصل بسببهما تموج فى الهواء. وذلك التموج سبب لحدوث الصوت. واذا وصل أثر ذلك التموج الى سطح الصماخ ، أحست القوة السامعة بذلك الأثر ، وذلك الاحساس هو السماع. فالمسموع فى الحقيقة هو ذلك الأثر الواصل الى الصماخ.
قال المتكلمون : هذا الكلام باطل ، لأن القوة السامعة ، لو كانت لا تسمع الا ما يصل الى سطح الصماخ ، لما كان الانسان بقوته السامعة يدرك أنه سمع هذا الصوت من هذا الجانب أو من ذلك الجانب ، لأنه اذا كان لا يحس الا بما وصل إليه ، وجب أن لا يحس بتلك الجوانب ، التى وصل منها ذلك الأثر ، كما أن القوة اللامسة والذائقة لما كانتا لا تدركان الا ما يصل إليهما ، لا جرم لا تدركان الجهة التى وصل منها