لكانت تلك الإرادة اما أن تكون قديمة أو محدثة. والقسمان محالان ، فثبوت الإرادة فى حق الله تعالى محال.
انما قلنا : انه لا يجوز ان يكون مريدا بإرادة قديمة لوجهين :
الأول : ان على هذا التقدير يكون حصول الفعل فى ذلك الوقت المعين من لوازم تلك الإرادة. وتلك الإرادة لكونها قديمة أزلية ممتنعة التغير والزوال. ولازم اللازم لازم ، فيكون عدم وقوع ذلك الفعل فى ذلك الوقت ممتنعا. واذا كان ذلك ، كان الصانع موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار. فاذن القول بقدم الإرادة يفضى الى نفى الإرادة. والصفة اذا أدت الى نفى الذات ، كان القول بتلك الصفة باطلا ، فبطل القول بكون تلك الإرادة قديمة.
الثانى : ان بدخول ذلك الفعل فى الوجود ، لا تبقى الإرادة متعلقة بايجاده ، لأن ايجاد الموجود محال. فلو كان ذلك التعلق قديما ، لزم عدم القديم وهو محال.
فثبت بهذين الوجهين : انه يمتنع كونه تعالى مريدا بإرادة قديمة.
وانما قلنا : انه يمتنع كونه تعالى مريدا بإرادة محدثة : لما ذكرنا أنه يلزم التسلسل فى الارادات. ولما بطل القسمان ، ثبت أن فاعلية الله تعالى غير موقوفة على الإرادة.
والجواب عن الشبهة الأولى : قوله : «المريد لا يرجح أحد الطرفين على الآخر ، الا اذا كان أحد الطرفين أولى به فى علمه أو ظنه أو اعتقاده» قلنا : هذا مدفوع. ودليله ما ذكرنا فى مسألة القدحين والرغيفين والطريقين.