هذا هو الكلام فى حقيقة الداعية.
* * *
ثم قالوا : تلك الحالة المقتضية للترجيح التى نجدها من قلوبنا ليست الا هذه الداعية.
ومن الناس من قال : الميل والإرادة حالة زائدة على هذه الداعية. واحتجوا عليه بوجهين :
الحجة الأولى : ان الميل قد يوجد ، بدون هذه الداعية. وذلك لأن العطشان اذا خير بين شرب قدحين متساويين من الماء فانه لا بد وأن يرجح أحدهما على الآخر من أجل (١) أنه لا بد وأن يحدث فى قلبه ميل الى أحد القدحين دون الثانى. وهذا الترجيح حاصل. وليس هذا الترجيح الا عبارة عن الداعية بالتفسير الّذي ذكرناه. لأنه لما استوى القدحان فى جميع المنافع المعلومة والمظنونة ، امتنع أن يكون ذلك الميل الّذي هو غير مشترك فيه بينهما هو عين هذا العلم والظن ، الّذي هو مشترك فيه بينهما.
الحجة الثانية : انا نجد من أنفسنا أنا متى علمنا أو اعتقدنا أو ظننا اشتمال الفعل على هذه المصلحة الزائدة ، فانه يتولد عن ذلك العلم ميل ورغبة وترجيح ، ويكون ذلك الميل كالأمر اللازم لذلك الفعل (٢) وكالأمر المتولد منه. ولذلك فان الخصم يقول : ان هذا العلم يدعو الفاعل الى الفعل ، فجعل كون هذا العلم داعيا ، كالأمر المتولد منه. فثبت بهذين الوجهين : أن الداعى مغاير للارادة فى حقنا.
__________________
(١) بمعنى : ب
(٢) لذلك العلم : ب