وأما القول بأنه ـ تعالى ـ سماه ابنا على سبيل التشريف. فهذا البحث يصير سمعيا. واحتج النصارى على قولهم : بأن عيسى عليهالسلام أحيى الموتى ، وأبرأ الأكمه ، والأبرص. وهذا لا يمكن الا بالقدرة الالهية.
والجواب : لم لا يجوز أن يقال : انه تعالى هو الّذي أحيى الموتى ، وأبرأ الأكمه فالأبرص ، على وفق دعائه اظهارا لمعجزته؟
ولقد ناظرت بعض النصارى. فقلت له : هل تسلم أنه لا يلزم من عدم الدليل ، عدم المدلول؟ فقال : نعم. فقلت له : ما الّذي يدل على أن ذات الله لم تحل فى بدن زيد ، وفى بدن عمرو ، ولم تحل فى بدن هذه الذبابة وهذه النملة؟ فقال : هذا ممتنع. لأنا انما أثبتنا هذا الحلول فى حق عيسى عليهالسلام لأنه ظهر على يده احياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص. فاذا لم يظهر شيء من هذه الأشياء على يد زيد وعمرو ، فكيف يمكن اثبات هذا الحلول فى حقه؟ فقلت له : انك سلمت أولا : أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول. واحياء الموتى وابراء الأكمه والأبرص دليل حصول هذا الحلول عندكم. فلا يلزم من عدم هذا الدليل ، عدم هذا الحلول. فوجب أن تبقى شاكا (١) فى حلول الله فى بدن هذه النملة ، وهذه الذبابة. وكل مذهب أدى الى مثل هذا القول ، فهو خسيس جدا.
وأيضا : كما ظهر احياء الموتى على يدى عيسى عليهالسلام ، فقد ظهر أيضا على يدى موسى عليهالسلام لأنه قلب العصا ثعبانا ، بل هو أعجب. لأن انقلاب الخشبة ثعبانا عظيما ، أعجب من انقلاب الميت حيا. فان دلت معجزات عيسى عليهالسلام على الحلول والاتحاد ، فبأن تدل معجزات موسى على هذا الحلول ـ وبالله التوفيق ـ أولى.
وبالجملة : فمذهب النصارى والحلولية ، أخس وأذل من أن يلتفت العاقل إليه.
__________________
(١) ساكتا : ر