الحجة الثانية : ان صريح العقل يشهد بأن زيدا وعمرا وخالدا ، يشتركون فى معنى الانسانية ، ويمتاز كل واحد منهم عن الآخر بطوله وقصره وسواده وبياضه. وما به المشاركة مغاير لما به المباينة. فاذن مفهوم الانسان من حيث انه انسان مغاير للطول والقصر ، ولكونه هنا وهناك ، ولكونه أسود أو أبيض. ثم الانسان من حيث انه انسان ، اما أن يكون له قدر معين وحيز معين ، واما أن لا يكون كذلك. والأول والأول باطل. والا لما كان مشتركا فيه بين الأشخاص ذوات الأحياز المختلفة ، والمقادير المختلفة. فثبت : أن الانسان من حيث انه انسان ليس له قدر معين ولا حيز معين ولا شكل معين. واذا كان كذلك فالتفتيش قد أخرج من المحسوس ما ليس بمحسوس. فكيف يبعد فى خالق كل المحسوسات ، أن يكون منزها عن الشكل والقدر والخير؟
فان قيل : الانسان من حيث انه انسان لا وجود له فى الخارج ، بل فى العقل. ونحن ندعى أن كل موجودين فى الخارج ، فلا بد وأن يكون أحدهما ساريا فى الآخر ، أو مباينا منه فى الجهة. فأين أحد المتباينين عن الآخر؟
قلنا : نحن لا نستدل بهذا الكلام على وجود موجود فى الخارج ، منزه عن المقدار والجهة ، بل غرضنا منه أنه يمكننا أن نعقل أمرا من الأمور ، مع أن العقل لا يثبت له تعالى جهة ولا قدرا. وقد ثبت لنا بهذا الدليل : هذا القدر. واذا لم يكن تصور مثل هذا الموجود مستبعدا فى العقل ، فبعد ذلك ادعاء أن هذا الموجود ، هل هو موجود خارج الذهن أو لا يكون؟ موقوفا على دليل منفصل.
الحجة الثالثة : انا ندرك المبصرات بالقوة الباصرة ، ثم الخيال لا يمكنه أن يتخيل للقوة الباصرة كيفية وشكلا ، بل الخيال يستحضر المتخيلات أشكالا وصورا ، ويعجز عن أن يستحضر لنفسه صورة وشكلا ، فذات الوهم والخيال من أصدق الدلائل على انه لا يجب أن يكون لكل