الوجود ، والمتصرف في كل مفرداته الصغيرة والكبيرة ، وكيف يحتاج لما خلقه ومن خلقه ، وهو القادر أن يغنيه ويبدع غيره كما أبدعه ، لأن القدرة لا تقف عند حدود معيّنة؟! (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) إليه ، لأنكم تمثلون الفقر المطلق أمامه ، فلا يمكن لأيّ إنسان الاستغناء عنه في شيء ؛ في الهواء الذي يتنفسه ، وفي الماء الذي يشربه ، وفي الغذاء الذي يتغذى به ، وفي حركة الحياة في عروقه ، وفي كل شيء ، فأين الغنى في ذلك ، وأين الغنى في غيره؟! مما يعني أن مضمون كلمة الإنسان هو الفقر المطلق إلى الله في كل شيء.
وفي ضوء هذا ، لا بد لكم من الانفتاح على الله انفتاح الإنسان الذي يحتاج إليه في كل وجوده ، لأن انفتاحكم ذاك هو الضمانة لاستمرار دوركم في الحياة ، فإنكم لستم أوّل الناس الذين يكلِّفهم الله بتكاليفه ، ويوكل إليهم أمر القيام بإدارة شؤون الحياة في مواقع رضاه ، ولستم آخر الناس ، فإن سرتم على درب الله ، أبقاكم على دوركم في الحياة ، (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) من الشعوب الأخرى التي قد تقوم بالدور الإلهي في خطّ الإسلام بأفضل مما تقومون به ، أو بترك خط الانحراف الذي تمثّلونه الآن ، (ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) بل يؤمنون بالله ويتّقونه ويعطون كل ما لديهم في سبيله ، من موقع المحبة والإخلاص له.
وقد روى السيوطي في الدر المنثور ، قال : «أخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني في الأوسط ، والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : تلا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هذه الآية : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) فقالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الّذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على منكب سلمان ثم قال : هذا وقومه ، والذي نفسي بيده ، لو كان الإيمان منوطا بالثريّا ، لتناوله رجال من فارس» (١).
* * *
__________________
(١) الدر المنثور ، ج : ٧ ، ص : ٥٠٦.