«الأنفال» تتحدث عن المنع عن الأسر قبل الإثخان ، بينما آية «محمد» تتحدث عن الأسر بعد الإثخان (١) ، فأين المنافاة؟.
وقد نلاحظ على هذا الجواب ، أنّ لقائل أن يقول : إن الإثخان الذي تتحدث عنه الآية في هذه السورة ، هو الإثخان في المعركة التي يقع الأسر فيها ، بينما تتحدث الآية الأخرى عن الإثخان في الأرض الذي هو كناية عن امتداد القوّة في مجمل المعارك التي يخوضها الإسلام ضد الكفر وينتصر فيها.
ولكن لا مانع من التصرف في ظهور الآية الأولى التي عالجت الأسر في دائرة خاصة ، حيث شغل المسلمين الإكثار من الأسرى في معركة بدر ، عن التركيز على قتل أكبر عدد ممكن من الأعداء لتحطيم قوتهم القتالية بالقضاء على قوتهم العددية ، مما يجعل من مسألة الإثخان في الأرض ، كناية عن الحصول على القوة التي يضعف أمامها العدوّ ، لا سيّما في تلك الظروف التي يكون فيها الانتصار على العدوّ في المعركة الأولى ، حيث لا تكافؤ في ميزان القوّة بين المسلمين والمشركين ، عنوانا كبيرا من عناوين تأكيد القوّة الإسلامية في الساحة.
وقد ذكر بعضهم أن هذه الآية منسوخة بآية السيف في قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] ، ولكن هذه الآية خاصة بالمشركين ، ولا مانع من أن يكون خاص مخصصا للعام الوارد بعده ، لا ناسخا له ، وقد ذكر علماء الأصول أنّ التخصيص مقدّم على النسخ ، مع ملاحظة أخرى ، وهي أن جوّ آية التوبة هو جوّ ملاحقة المشركين بعد انتهاء المعاهدة ، ليكون الموضوع إنهاء حالة السلم ، دون نظر إلى طبيعة التفاصيل ، في الوقت الذي كان الإسلام فيه يملك السيطرة الشاملة على الموقف ، بينما تتحدث هذه الآية عن سير الموقف القتالي في الطبيعة العامة للحرب.
وقد يتساءل القارئ للقرآن ، بأن هذه الآية لم تتحدث عن قتل الأسير
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٨ ، ص : ٢٢٩.