في اتّباعهم وتقليدهم لهم في كل عاداتهم وتقاليدهم وأوضاعهم التي تشبه أوضاع المترفين في ما توحي به من الغفلة عن الله وعن أوامره ونواهيه ، والإخلاد إلى الأرض في شهواتها وأطماعها.
(وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) المراد بالإصرار عليه الإقامة على نقض العهد وعدم الإقلاع عنه ، وربما كان المراد به الاستكبار عن عبودية الله التي عاهدوه عليها من خلال فطرتهم ، في ما يمثله ذلك من ميثاق طبيعيّ في شخصية الإنسان. وقيل : إن المراد به : الذنب العظيم ، أو الأيمان الكاذبة التي تنفي البعث والجزاء.
(وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ* أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) قالوا ذلك ، كما قال أمثالهم ، في مقام الاستغراب الذي يوحي بالسخرية والإنكار ، لكن لا من موقع الشبهة الفكرية ، بل من موقع استبعاد ما ليس مألوفا ، لأن العقل لا ينفي إمكان البعث ، والوحي يثبت وقوعه ، ولذلك كان الحديث حول تأكيده ، كحقيقة حاسمة مطلقة.
(قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) ليقفوا أمام الله فيحاسبهم على أعمالهم التي مارسوها في الدنيا من خير أو شر ، (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ) الذين لم ينطلق ضلالكم من موقع وعي لما أنتم عليه ، بل من موقع تكذيب متعمّد للحقيقة الفطرية التي تفرض نفسها عليكم ، (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ* فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) وقد لا تكون هذه الشجرة واضحة المعنى في طبيعتها ، ولكنها توحي بما تشتمل عليه من ثمر سيئ يتحوّل إلى عذاب شديد في جوف الإنسان ، (فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ) الذي يغلي فيحرق الجوف ، (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) وهي الإبل التي يصيبها داء العطش فلا يرويها شيء ، وقيل : الهيم : الرمال التي لا تروى بالماء.
(هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) أي يوم الجزاء ، والنزل ـ كما قيل ـ ما يقدّم للضيف النازل من طعام وشراب إكراما له ، وقد أطلق على هؤلاء الذين هم في موقع المهانة والذلّ على سبيل التهكّم.
* * *