الغير ، حتى لا يكون حجة عليه أمام الناس ، (مُعْتَدٍ مُرِيبٍ) لأن أنانيته تحركه نحو احتواء كل شيء لنفسه ، مما يجعله مستعدا للاعتداء على حقوق الناس بكل الأساليب التي تنطلق من شخصيته المريبة المختنقة بكل مشاعر الحسد والريب (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ).
(قالَ قَرِينُهُ) الشيطاني الذي يقف موقف المسؤول عن ضلال صاحبه ، لأنه كان يحركه نحو الغواية ويدفعه إلى ساحات الضلال ، وهو الآن يعتذر عن موقعه ذاك ، ليبعد نفسه عن المسؤولية بعنوا أن الضلال يخضع لإرادة صاحبه الذاتية : (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) في طغيانه عليك وتجاوزه لحدودك ، (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) فقد كان ضلاله خاضعا لروحية الضلال فيه ، فلم يكن موقفه هذا ناشئا عن إغواء خارجي ، بل هو ناشئ من الانحراف الداخلي الذي يختزنه في شخصيته.
ونستوحي من هذا المنطق الدفاعي ، أن هذا الكافر العنيد كان يحاول التهرب من مسئولية كفره ليضعها على عاتق هذا القرين أمام الله ، مما جعل القرين يدافع عن نفسه بهذه الطريقة في موقع التخاصم ، ولهذا جاء الجواب الزاجر من الله سبحانه لهما معا :
(قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) سواء كنتم من الظالمين أو من المضلّلين ، فليس هناك فرق بين أن يكون هذا الكافر خاضعا لضلال قرينه أو غير خاضع له ، لأن ذلك ليس عذرا له بعد أن أقام الله عليه الحجة القاطعة بالأسس التي يرتكز عليها الهدى في قاعدته الفكرية وخطّه العملي ، (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) والتحذير من يوم القيامة ، وتلك هي الكلمة الفاصلة التي يرتبط فيها المصير بالعمل ، ليكون الجزاء من نوع العمل (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) في ما حددته من الكلمة الحاسمة في يوم الفصل ، (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فقد جاء الحكم منسجما مع سلوكهم المنحرف عن الخط المستقيم ..
* * *