أنهم في مستوى حمل الرسالة ، وموقع الإمامة ، (وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) من قاعدة الحقيقة البارزة لهم في هذه الآيات ، وبذلك كانوا الدعاة المصدّقين بدعوتهم ، المؤمنين بخطوطها العامة والخاصة ، لا كمثل الدعاة الذين يتاجرون بالدين وبالرسالة ، من دون أن يؤمنوا بهما ، ليحققوا مصالحهم الذاتية من خلالهما.
* * *
يوم القيامة يوم الفصل
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) فقد اختلف الكثيرون في الدين ، وتنوّعت مذاهبهم في فهمه وفي تفاصيل موارده ومصادره ، وتداخلت النوازع الذاتية ، والمصالح المادية ، والتعقيدات الشعورية والفكرية في هذه الساحة ، فلم تصل إلى وحدة في التصور ، أو في الموقف ، أو في الحركة ، لاختلاط هذه الأمور كلها في أجواء الاختلاف. ولكن المسألة ستظهر جليّة يوم القيامة ، عند ما يتدخل الله ـ سبحانه ـ بينهم ، فيفصل بين المحق والمبطل ، فيعرف المحق مواقع الحق في دعوته ، كما يعرف المبطل مواقع الباطل في دعواه (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) أو لم يتبين لهم كيف تموت الأمم وتزول من الدنيا ، وتترك خلفها الدور والقصور والأموال ، التي يراها اللاحقون من بعدهم ، ويمشون في ساحاتها الصامتة صمت القبور ، ألا يكون ذلك رادا لهم عن الاستسلام إلى الدنيا والركون إليها والاستغراق في شهواتها والتنازع في سبيل الحصول على امتيازاتها وثرواتها ، كما لو كانوا خالدين فيها؟