والعملي بين المادة والروح فلم يمل إلى أحدهما أكثر من الآخر انطلاقا من واقعية الإنسان الذي كان كيانه مزيجا من المادة والروح.
إننا نرفض هذا الاتجاه التحليلي في تقييم الديانات ، لأننا نلاحظ في حديث القرآن عن الرسالات السابقة أنها تسير في خط واحد من ملاحظة مصلحة الإنسان ، وذلك من خلال التركيز على علاقته بالله التي تمثل الجانب الروحي الذي يلتقي في نطاقه بالإنسان في جانبه المادي ، فلا يبتعد أحدهما عن الآخر في قليل أو في كثير. وقد نستفيد ذلك من الآية الكريمة التي يقدم الله إلينا فيها صورة عيسى ابن مريم عليهماالسلام في بيانه الذي قدمه إلى بني إسرائيل في بداية رسالته : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصف : ٦]
وجاء في آية أخرى قوله تعالى : (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) [آل عمران : ٥٠].
فإن هاتين الآيتين تؤكدان على أن النصرانية لم تأت لتنسخ الخط العام الذي ارتكزت عليه شريعة التوراة ، بل تحركت في اتجاه إقرارها بشكل عام مع بعض الاستثناءات في جانب التحليل والتحريم مما اقتضاه التطور الزمني لمواجهة المشاكل المستجدة مما لم يعد التشريع فيه عمليا في مستوى الحل الواقعي للأشياء.
وقد نستطيع استيحاء الفكرة التي قررناها في شمولية هذا التشريع لكل الديانات من خلال الآية الكريمة التي أرادت أن تفلسف التشريع بالتأكيد على قيمة الحياة في جانبها السلبي والإيجابي ، فإن مثل ذلك لا يختص بزمان أو بمكان ، بل إنه يشمل الحياة كلها ، فلا بد منه في كل موقف يراد من خلاله