في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) فإن معرفة المؤمن بربه ووعيه لعظمته ، تجعلانه ينفتح على الله انفتاحا يملأ كل كيانه في أفكاره ومشاعره ، في جوارحه وجوانحه ، فلا يبقى هناك مجال لأيّة قوّة ، مهما عظمت ، أن تحتل ولو مساحة صغيرة من نفسه في المستوى الذي يلتقي فيه بالله ، فلا ولاء لغيره ، ولا طاعة إلا له ، لأن معنى التوحيد أن يخلص كل شيء فيك للإله الواحد ، وهذا هو معنى الحب لله في القرآن الذي يريد للمؤمنين أن يعيشوه ويتمثلوه في وجدانهم ، بعيدا عن الاستغراق في ذاته ، أو التغزل بصفاته ، في ما يشبه بعض أساليب المتصوفة في تعبيرهم عن المحبة بمظاهر العشق والوله والانجذاب الجسدي والروحي ، ممّا يجعل من حياتهم امتدادا للخط الذي أرسل الله به رسوله في طاعة مطلقة ، في فكره وإرادته وكلامه.
* * *
التبعية هي أساس الحب
أمّا كيف نستفيد ذلك ونقرّره ، فهذا ما يبدو لنا من جوّ الآية من جهة ، ومن طبيعة الرسالة من جهة أخرى ، فنحن نلاحظ في الآية أنها تثير في نهاية المطاف قضية التابعين والمتبوعين وحوارهم في يوم القيامة ، مما يوحي بأن الأساس في قضية الحب هو التبعية لا العاطفة المجرّدة ، كما أننا نستوحي ذلك من قوله تعالى في آية أخرى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران : ٣١] حيث جعل اتّباع النبي من علامات الحب ونتائجه.
أما طبيعة الحب من ناحية الرسالة ، فنستطيع أن نفهمه من خلال الاطلاع على تخطيط الله لنا أسلوب التعامل معه في الوقوف بين يديه ، وفي ممارستنا للمسؤولية أمامه ، وفي الانضباط في الخط المستقيم العملي لديه ، وفي كيفية