وسيلة للابتلاء فلم يفصح بالحديث عنها ، ولكنه حدّثنا عن إتمامها من دون أن يتضح هل كان الإتمام من إبراهيم عليهالسلام أو من الله في ما يحتمله الضمير في الكلمة ، ولم يفصّل لنا كيف كان هذا الإتمام ، هل هو في وعي إبراهيم عليهالسلام للكلمة وحفظها في فكره في مقابل النسيان ، أم في تجسيدها العملي في الواقع التطبيقي للحياة ، لأن القضية لا تختلف باختلاف التفاصيل في ما يريد القرآن أن يفيض فيه أو يفصح عنه من انطلاق العهد الإلهي من موقع الاختبار والكفاءة لا من موقع الاختيار التلقائي ، فإن ذلك هو ما نحتاج أن نتعرفه ، أمّا التفاصيل ، فقد يحتاج المؤمنون الذين عاشوا في عهد إبراهيم أن يعرفوها لأنها تتصل بخطواتهم الفكرية والعملية في الحياة ، ولا بد أن يكونوا قد عرفوها في ما دعاهم إليه من أحكام وتعاليم.
* * *
نجاح إبراهيم في الاختبار وجعله إماما للناس
(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) أي اختبره في حركته في خط المسؤولية الرسالية التي تعمل على تغيير الحياة ، من الواقع الكافر الضالّ إلى الواقع الإيماني المستقيم في الخط الذي يحقق للإنسان سعادته في الدنيا والآخرة ، ليظهر إخلاصه لله وقدرته على تحمّل المسؤولية ، كما يختبر الله رسله وعباده الصالحين في المواقع الصعبة التي تتحدى طاقاتهم لتعبّر عن نفسها بقوّة وصلابة وإخلاص ، (بِكَلِماتٍ) مما أوحى به إليه من آياته في الصحف التي أنزلها عليه ، وفي المسؤولية المتنوعة التي حمّله إياها ، (فَأَتَمَّهُنَ) ووفّاهنّ حقّهن بالدعوة تارة وبالانقياد أخرى ، وبالحركة المتحدية في مواجهة الكفر والاستكبار ثالثة ، فلم ينقص شيئا من دعوته ، ولم يهمل موقفا من مسئوليته ، ولم يبتعد خطوة واحدة عن ساحات التحدي الكبير ، وبذلك استحق درجة