الإيماني أن الله يريد منه أن يسلم أمره إليه ، فلا تكون له كلمة أمام كلمته ، ولا خط غير خطه ، ولا قضاء إلا قضاؤه ، ولا منهج إلا منهجه ، فإن ذلك من وحي الإيمان الصافي النقي ، والعقل المنفتح على الحقيقة ، الذي يسمع ـ من خلاله ـ أوامر الله ونهيه ووحيه إليه ، وقد عبّر في بعض الكلمات عن العقل بأنه «الرسول الباطني» ، (قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ). فعاش الإسلام لله بكل عمق الإيمان ، وبكل استقامة الطريق ، ووضوح المنهج وصفاء الشعور ، وانفتاح الروح ... ولم يكن إسلامه إسلام الكلمة المنطلقة من اللسان البعيدة عن القلب ، أو إسلام الرغبة والرهبة من دون قناعة ، أو إسلام الشكل من غير مضمون ، فذلك هو الإسلام الذي لا يعيش حركة الوجود في الذات ... إنه الصورة في الظاهر لا الحقيقة في الباطن ، إنه الإسلام الكلي ، لأنّ الله يريد من الإنسان أن يخلص له بكله ، ويستغرق في عبوديته له حتى لا يبقى لأحد منه شيء ، حتى لنفسه ، ليكون محياه لله ومماته له.
* * *
استنطاق الآية لغويّا
وهناك سؤال : هل كان الاصطفاء قد تمّ بعد أن أمره الله بأن يسلم ، باعتبار أن كلمة «إذ» هي في موضع نصب باصطفينا؟
قد يكون الأمر كذلك على أساس الجانب التعبيري ، ولكن ذلك ليس ضروريا ، فربما كانت المسألة منطلقة من الإشارة إلى السبب في هذا الاصطفاء من خلال إخلاصه لله في إسلامه المطلق له ، لأن الله يختار لرسالته الإنسان الذي يعيش عمق الصفاء الروحي الذي يؤهله لاحتضان روح الرسالة بفكره ، وكل كيانه. وربما كان ذلك بداية للحديث عن حركته