الجريمة والمجرمين ، بل انطلق من أجل أن يخفف الجو القانوني المادي الذي سار عليه الناس في ذلك العصر الذي رافق إرسال السيد المسيح ، فاعتبرت العلاقات القائمة بين الناس خاضعة للعوامل الذاتية التي لا تجد في الساحة أي أساس روحي للتنازل عن الحق ، لأن المقاييس الروحية لم تكن واردة في حساب العلاقات الخاصة والعامة ، كما حدثنا القرآن في أكثر من حديث عن واقع بني إسرائيل ، فكانت شريعة التسامح تحاول أن لا تجعل الإنسان ذاتيا في المطالبة بحقوقه ، فلا تكون القيمة كل القيمة أن يأخذ الإنسان بحقه ، سواء في المطالبة بالحق من خلال كون الشريعة مرتكزة على أساس تشريع الحق ذلك الميزان الفردي أو الاجتماعي ، بل تريد التأكيد على أن القيمة الروحية الكبرى هي أن يتنازل عن حقه ليتحقق للإنسان التوازن الداخلي والعملي بين أسلوب المطالبة بالحق من خلال كون الشريعة مرتكزة على أساس تشريع الحق القانوني ، وبين أسلوب التنفيذ للحق ، من خلال اعتبار التسامح قيمة روحية في حساب علاقة الإنسان بالله والإنسان. ولا تختلف المسيحية في هذا عن الإسلام الذي شرّع الحقوق في جميع المجالات الإنسانية للعلاقات العامة والخاصة ، ولكنه قرن ذلك بالدعوة إلى التسامح والعفو والصبر ، معتبرا ذلك خيرا وأقرب للتقوى.
* * *
النظرة الخاطئة إلى الدين اليهودي والمسيحي
ومن هذا المنطلق نريد أن نشير في هذا الاتجاه إلى رفض التحليل الذي يتحدث به بعض الكتاب الإسلاميين عن اعتبار اليهودية قريبة إلى المادية في التشريع في مقابل اعتبار النصرانية قريبة إلى الروحية في المفهوم ، ليخلص من ذلك إلى الحديث عن عظمة الإسلام ، لأنه حقق التوازن التشريعي والمفهومي