القصاص ، فقد أراده الله تخفيفا على الناس ، فلا ينغلقوا على الأخذ بحقهم في قتل القاتل بعيدا عن التسامح والعفو اللذين قد يفتحان للإنسان أكثر من نافذة على الحلول الهادئة السلمية التي تنزع عن النفس كل المؤثرات السلبية في عملية احتواء لكل الآثار النفسية المؤلمة ، لتلتقي الأوضاع الاجتماعية على الطريقة الحكيمة التي يتخفف فيها الإنسان من ذاتيات الألم والانتقام في شخصيته ، وذلك هو التخفيف الإلهي من حدّة الحل الحاسم (وَرَحْمَةٌ) لهم في هذا الأسلوب الرحيم في العفو ، واستبدال القتل بالتعويض المادي ، والاكتفاء به عن العنف القاسي. (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) ربما كان ذلك حديثا عما كان يفعله بعض أهل الجاهلية في الانتقام من القاتل بقتله بعد العفو وأخذ الدية ، حيث يجمعون بين التعويض المادي والقصاص الجسدي كتعبير عن الثأر المزدوج الذي يؤكد عنفوان وليّ الدم وإخلاصه للقتيل ضد القاتل وأهله ، ليكون ذلك انتقاما منه ومن أهله ، مما يحقق لهم شفاء الغيظ بأعمق المشاعر الداخلية. وهذا يمثل حالة من حالات الاعتداء على النفس كما لو كان عدوانا ابتدائيا ، لأن العفو الذي يرتكز الصلح عليه مع الدية أو بدونها يمثل محو آثار الجريمة واعتبارها شيئا لا امتداد له في المستقبل في آثاره المضادة على طريقة رد الفعل ، مما يجعل من هذا القتل عدوانا غير مسبوق بشيء ، فلولي الدم قتله قصاصا ، أو العفو مع الدية أو بدونها.
(وَلَكُمْ) أيها الناس (فِي الْقِصاصِ) الذي يجتث جذور الجريمة من عمق النفس المفجوعة في الحالة الشعورية التي تتطلب الثأر وتستسقي الدم ، لتقتصر على التنفيس عن مشاعرها بقتل القاتل وعدم تجاوزه إلى غيره ، وليكون ذلك عملية ردع لكل من تسوّل له نفسه أن يقوم بجريمة جديدة ضد إنسان جديد عند ما يجد أن التشريع يفسح في المجال لوليّ الدم أن يقتص منه ، وليحمي المقتص من أيّ أثر سلبي.