صاحب الحق عن حقه من موقع قدرته ـ من خلال التشريع ـ ، ليكون من باب العفو عند المقدرة ، باعتبار أن القضية إذا انطلقت من اختيار أولياء الدم فإنها لا تضعف الهدف ، ولا تلغيه ، على أساس انطلاقه من تأكيد المبدأ في الوقت الذي يمكن للعفو أن يحقق نتائج إيجابية في المسألة الاجتماعية ، وفي القيمة الأخلاقية التي ترتفع بصاحب الحق إلى مستوى الإنسان الذي يملك القوة الروحية في الانتصار على نوازعه الذاتية أو العائلية ، فيتحرك للانفتاح على القاتل من موقع المحبة الإنسانية التي تتجاوز الجريمة لتتذكر أخوّة هذا الإنسان من الناحية الإيمانية مما يوحي به التعبير بكلمة (أَخِيهِ) في الآية ، لتكون النتيجة عفوا بدون بدل ، وهذه هي قمة العطاء والسمو الروحي ، أو المطالبة بالدية ، وهي تمثل التعبير عن هبة الحياة للقاتل بعد أن ملكها وليّ الدم في التشريع ، والاكتفاء بالتعويض عما لحق بالخسارة من جهة ، وإيجاد بدليل واقعي يمتص المشاعر السلبية من جهة أخرى ، لينطلق الصلح من خلال الواقعية الذاتية الإنسانية.
وقد أراد الله لمن عليه الحق أن يؤدي الحق من دون مماطلة ولا تعقيد ليتحسس المعروف في العفو عنه وينطلق الأداء بإحسان ، كما ينبغي لمن يملك الحق أن لا يعسر أخاه إذا كان قد اتفق معه على الدية ، وقد جاء هذا التفسير في رواية الكافي عن الحلبي عن الصادق عليهالسلام قال ـ أي الحلبي : «سألته عن قول الله عزوجل : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) قال : ينبغي للذي عليه الحق أن لا يمطل أخاه إذا قدر على ما يعطيه ويؤدي إليه بإحسان» (١).
(ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) والإشارة إلى تشريع العفو بدلا من
__________________
(١) الكافي ، ج : ٧ ، ص : ٣٥٨ ، رواية : ١.