وبذلك كانت الفكرة الإسلامية عن الأنبياء فكرة متكاملة من خلال الشعور بأن بعضهم يكمل دور البعض الآخر ولا يعارضه ، تماما كما هي الخطوات المتلاحقة في الدرب الواحد نحو الهدف الكبير.
أمّا اختلاف الأديان الذي يحكم عالمنا هذا ، فإنّه يمثل الخطأ في فهم المرحلة ، حيث يعتبر ما هو مرحلة في طريق الغاية ، غاية بذاته.
ويبقى الإسلام في كل آياته يجسد هذه الحقيقة التوحيدية للرسالات حيث يدعو إلى الإيمان بالكتاب الواحد الذي يجمع الكتب ، والإيمان بالنبوة الواحدة التي تحتضن جميع الأنبياء : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة : ٢٨٥]. وتظل الشخصية الإسلامية مع هذا التصور الإيماني بعيدة عن التشنّج إزاء أيّ كتاب أو رسول ، فكلها وحي الله ، وكلّهم رسل الله.
* * *
العطاء أحد عناصر الشخصية الإسلامية
(وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ) والعطاء ، أحد عناصر الشخصية الإسلامية ، ونموذج حيّ للبرّ العملي ، فإذا كان الإنسان يملك المال ، فإن الإسلام يعتبر الملكية وظيفة ومسئولية ، لا امتيازا وشرفا ذاتيا ، ولذلك جعل العطاء سرّ الشخصية لأنه يعني انفتاحها على آلام الحياة ومشاكلها وحالاتها الصعبة وتطلّعاتها الكبيرة ، في محاولة متواضعة ، فردية أو جماعية ، لإعطاء بعض الحلول وتسهيل بعض الصعاب وتحقيق بعض التطلعات ، في شعور بأن ذلك هو من حق الآخرين عليه في ما يتحمله من مسئولية الآخرين.