المسلم الشعور بالعبث في مسار حياته عند ما يواجه كثيرا من الأوضاع التي توحي بمثل هذا الشعور إذا انفصلت عن طبيعة النتائج العملية عند الله ، فيتحول الموقف إلى إحساس عميق بالجدية المرتبطة بالهدف في كل شيء حوله ، وهذا ما تمثله الآية الكريمة (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥].
أمّا الإيمان بالملائكة والكتاب والنبيين ، فيمثل الإيمان بالحقائق الروحية التي ترتبط بالغيب من جهة وتواجه الواقع من جهة أخرى ، وذلك من خلال التصور الإسلامي للموجودات غير المرئية المتمثلة في الملائكة عند ما يشعر بحفيف أجنحتها في وعيه الديني وهو يتصورها في حركة دائبة في أجواء السماء والأرض ، وخضوع مطلق لله في ما يوكله إليها من مهمات كونية تتصل بالحياة والإنسان ، فيتعاظم الإحساس بعظمة التدبير من خلال الأشياء المرئية وغير المرئية ، وبروعة هذه الصورة الملائكية التي تمنح الوجود معنى روحيا ينساب فيه انسياب اللطف والرحمة في المشاعر والأعماق.
والإيمان بالكتاب يعني الإيمان بالرسالة الإلهية الواحدة التي تنزلت في كل عهود النبوات ، في كتاب واحد بمفاهيمه التوحيدية العامة ، وإن اختلفت تفاصيله تبعا لاختلاف حاجة كل عصر إليها. فالوحدة تبقى أساسا للتصور الديني في معنى الكتاب والإيمان به وبالنبيين ، كل النبيين ، منذ آدم حتى محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أي الإيمان بوحدة المسيرة في طريق الرسالة الطويلة ، فلا اختلاف بين الرسل في الفكر وفي الهدف ، لأن الفكرة واحدة ، وهي الإيمان بالله الواحد ، والهدف واحد هو الحصول على رضاه في ما يحبه وفي ما لا يحبّه ، وهذا ما يحكم الطريق الذي يسيرون فيه ، ولكن مراحل الطريق تختلف ، ومواقفه تتنوع ، فلا بد لكل مرحلة من رسولها الذي ينسجم مع طبيعتها ، ولا بد لكل موقف من دور يجسده السائر الذي يقود الناس إليه ،