السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة. وقيل يقضي قضاء ألف سنة فينزل به الملك ثم يعرج بعد الألف لألف آخر. وقيل يدبر الأمر إلى قيام الساعة ثم يعرج إليه الأمر كله يوم القيامة. وقيل يدبر المأمور به من الطاعات منزلا من السماء إلى الأرض بالوحي ، ثم لا يعرج إليه خالصا كما يرتضيه إلا في مدة متطاولة لقلة المخلصين والأعمال الخلص ، وقرئ «يعرج» و «يعدون».
(ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) فيدبر أمرهما على وفق الحكمة. (الْعَزِيزُ) الغالب على أمره. (الرَّحِيمُ) على العباد في تدبيره ، وفيه إيماء بأنه يراعي المصالح تفضلا وإحسانا.
(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ)(٩)
(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) خلقة موفرا عليه ما يستعد له ويليق به على وفق الحكمة والمصلحة ، وخلقه بدل من كل بدل الاشتمال وقل علم كيف يخلقه من قولهم قيمة المرء ما يحسنه أي يحسن معرفته ، و (خَلَقَهُ) مفعول ثان. وقرأ نافع والكوفيون بفتح اللام على الوصف فالشيء على الأول مخصوص بمنفصل وعلى الثاني بمتصل. (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ) يعني آدم. (مِنْ طِينٍ).
(ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) ذريته سميت بذلك لأنها تنسل منه أي تنفصل. (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) ممتهن.
(ثُمَّ سَوَّاهُ) قوّمه بتصوير أعضائه على ما ينبغي. (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) أضافه إلى نفسه تشريفا له وإشعارا بأنه خلق عجيب ، وأن له شأنا له مناسبة ما إلى الحضرة الربوبية ولأجله قيل من عرف نفسه فقد عرف ربه. (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) خصوصا لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا. (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) تشكرون شكرا قليلا.
(وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)(١١)
(وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) أي صرنا ترابا مخلوطا بتراب الأرض لا نتميز منه ، أو غبنا فيها. وقرئ «ضللنا» بالكسر من ضل يضل «وصللنا» من صل اللحم إذا أنتن ، وقرأ ابن عامر «إذا» على الخبر والعامل فيه ما دل عليه. (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) وهو : نبعث أو يجدد خلقنا. وقرأ نافع والكسائي ويعقوب «إنا» على الخبر ، والقائل أبي بن خلف وإسناده إلى جميعهم لرضاهم به. (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ) بالبعث أو بتلقي ملك الموت وما بعده. (كافِرُونَ) جاحدون.
(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ) يستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئا ولا يبقى منكم أحدا ، والتفعل والاستفعال يلتقيان كثيرا كتقصيته واستقصيته وتعجلته واستعجلته. (مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) بقبض أرواحكم وإحصاء آجالكم. (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) للحساب والجزاء.
(وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ)(١٢)
(وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) من الحياء والخزي. (رَبَّنا) قائلين ربنا. (أَبْصَرْنا) ما وعدتنا. (وَسَمِعْنا) منك تصديق رسلك. (فَارْجِعْنا) إلى الدنيا. (نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) إذ لم يبق لنا