قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

أنوار التنزيل وأسرار التأويل [ ج ٤ ]

أنوار التنزيل وأسرار التأويل [ ج ٤ ]

122/279
*

وإشعارا بما هو المانع للبشرى والموجب لما يقابلها. (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) عطف على المدلول أي ويقول الكفرة حينئذ ، هذه الكلمة استعاذة وطلبا من الله تعالى أن يمنع لقاءهم وهي مما كانوا يقولون عند لقاء عدو أو هجوم مكروه ، أو تقولها الملائكة بمعنى حراما محرما عليكم الجنة أو البشرى. وقرئ «حجرا» بالضم وأصله الفتح غير أنه لما اختص بموضع مخصوص غير كقعدك وعمرك ولذلك لا يتصرف فيه ولا يظهر ناصبه ، ووصفه ب (مَحْجُوراً) للتأكيد كقولهم : موت مائت.

(وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) أي وعمدنا إلى ما عملوا في كفرهم من المكارم كقرى الضيف وصلة الرحم وإغاثة الملهوف فأحبطناه لفقد ما هو شرط اعتباره ، وهو تشبيه حالهم وأعمالهم بحال قوم استعصوا على سلطانهم فقدم إلى أشيائهم فمزقها وأبطلها ولم يبق لها أثرا ، وال (هَباءً) غبار يرى في شعاع يطلع من الكوة من الهبوة وهي الغبار ، و (مَنْثُوراً) صفته شبه عملهم المحبط بالهباء في حقارته وعدم نفعه ثم بالمنثور منه في انتثاره بحيث لا يمكن نظمه أو تفرقه نحو أغراضهم الّتي كانوا يتوجهون به نحوها ، أو مفعول ثالث من حيث إنه كالخبر بعد الخبر كقوله تعالى : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ).

(أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً)(٢٤)

(أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) مكانا يستقر فيه أكثر الأوقات للتجالس والتحادث. (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) مكانا يؤوى إليه للاسترواح بالأزواج والتمتع بهن تجوزا له من مكان القيلولة على التشبيه ، أو لأنه لا يخلو من ذلك غالبا إذ لا نوم في الجنة وفي أحسن رمز إلى ما يتميز به مقيلهم من حسن الصور وغيره من التحاسين ، ويحتمل أن يراد بأحدهما المصدر أو الزمان إشارة إلى أن مكانهم وزمانهم أطيب ما يتخيل من الأمكنة والأزمنة ، والتفضيل إما لإرادة الزيادة مطلقا أو بالإضافة إلى ما للمترفين في الدنيا. روي أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.

(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً)(٢٦)

(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ) أصله تتشقق فحذفت التاء ، وأدغمها ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب.

(بِالْغَمامِ) بسبب طلوع الغمام منها وهو الغمام المذكور في قوله (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ). (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) في ذلك الغمام بصحائف أعمال العباد ، وقرأ ابن كثير «وننزل» وقرئ «ونزلت» «وأنزل» «ونزل الملائكة» بحذف نون الكلمة.

(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) الثابت له لأن كل ملك يبطل يومئذ ولا يبقى إلا ملكه فهو الخبر و (لِلرَّحْمنِ) صلته ، أو تبيين و (يَوْمَئِذٍ) مفعول (الْمُلْكُ) لا (الْحَقُ) لأنه متأخر أو صفته والخبر (يَوْمَئِذٍ) أو (لِلرَّحْمنِ). (وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) شديدا.

(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً)(٢٩)

(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ) من فرط الحسرة ، وعض اليدين وأكل البنان وحرق الأسنان ونحوها كنايات عن الغيظ والحسرة لأنها من روادفهما ، والمراد ب (الظَّالِمُ) الجنس. وقيل عقبة بن أبي معيط كان يكثر مجالسة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدعاه إلى ضيافته فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل ، وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه وقال صبأت فقال : لا ، ولكن آلى أن لا يأكل من طعامي وهو في بيتي فاستحيت منه