(وَتَوَكَّلْ عَلَى
الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ
خَبِيراً (٥٨) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ
فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً)(٥٩)
(وَتَوَكَّلْ عَلَى
الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) في استكفاء شرورهم والإغناء عن أجورهم ، فإنه الحقيق بأن
يتوكل عليه دون الأحياء الذين يموتون فإنهم إذا ماتوا ضاع من توكل عليهم. (وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) ونزهه عن صفات النقصان مثنيا عليه بأوصاف الكمال طالبا
لمزيد الأنعام بالشكر على سوابغه. (وَكَفى بِهِ
بِذُنُوبِ عِبادِهِ) ما ظهر منها وما بطن. (خَبِيراً) مطلعا فلا عليك أن آمنوا أو كفروا.
(الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ
الرَّحْمنُ) قد سبق الكلام فيه ، ولعل ذكره زيادة تقرير لكونه حقيقا
بأن يتوكل عليه من حيث إنه الخالق للكل والمتصرف فيه ، وتحريض على الثبات والتأني
في الأمر فإنه تعالى مع كمال قدرته وسرعة نفاذ أمره في كل مراد خلق الأشياء على
تؤدة وتدرج ، و (الرَّحْمنُ) خبر للذي إن جعلته مبتدأ ولمحذوف إن جعلته صفة للحي ، أو
بدل من المستكن في (اسْتَوى) وقرئ بالجر صفة للحي. (فَسْئَلْ بِهِ
خَبِيراً) فاسأل عما ذكر من الخلق والاستواء عالما يخبرك بحقيقته وهو
الله تعالى ، أو جبريل أو من وجده في الكتب المتقدمة ليصدقك فيه ، وقيل الضمير
للرحمن والمعنى إن أنكروا إطلاقه على الله تعالى فاسأل عنه من يخبرك من أهل الكتاب
ليعرفوا مجيء ما يرادفه في كتبهم ، وعلى هذا يجوز أن يكون (الرَّحْمنُ) مبتدأ والخبر ما بعده والسؤال كما يعدى بعن لتضمنه معنى
التفتيش يعدى بالياء لتضمنه معنى الاعتناء. وقيل إنه صلة (خَبِيراً).
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ
اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا
وَزادَهُمْ نُفُوراً (٦٠) تَبارَكَ الَّذِي
جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً)(٦١)
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ
اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) لأنهم ما كانوا يطلقونه على الله ، أو لأنهم ظنوا أنه أراد
به غيره ولذلك قالوا : (أَنَسْجُدُ لِما
تَأْمُرُنا) أي للذي تأمرناه يعني تأمرنا بسجوده أو لأمرك لنا من غير
عرفان. وقيل لأنه كان معربا لم يسمعوه. وقرأ حمزة والكسائي «يأمرنا» بالياء على
أنه قول بعضهم لبعض. (وَزادَهُمْ) أي الأمر بالسجود (لِلرَّحْمنِ). (نُفُوراً) عن الإيمان.
(تَبارَكَ الَّذِي
جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) يعني البروج الاثني عشر سميت به وهي القصور العالية لأنها
للكواكب السيارة كالمنازل لسكانها واشتقاقه من التبرج لظهوره. (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً) يعني الشمس لقوله (وَجَعَلَ الشَّمْسَ
سِراجاً). وقرأ حمزة والكسائي «سرجا» وهي الشمس والكواكب الكبار. (وَقَمَراً مُنِيراً) مضيئا بالليل ، وقرئ «وقمرا» أي ذا قمر وهو جمع قمراء
ويحتمل أن يكون بمعنى القمر كالرشد والرشد والعرب والعرب.
(وَهُوَ الَّذِي
جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ
شُكُوراً)(٦٢)
(وَهُوَ الَّذِي
جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) أي ذوي خلفة يخلف كل منهما الآخر بأن يقوم مقامه فيما
ينبغي أن يعمل فيه ، أو بأن يعتقبا لقوله تعالى : (وَاخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهارِ). وهي للحالة من خلف كالركبة والجلسة. (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) بأن يتذكر آلاء الله ويتفكر في صنعه فيعلم أن لا بد له من
صانع حكيم واجب الذات رحيم على العباد. (أَوْ أَرادَ شُكُوراً) أن يشكر الله تعالى على ما فيه من النعم ، أو ليكونا وقتين
للمتذكرين الشاكرين من فاته ورده في أحدهما تداركه في الآخرة ، وقرأ حمزة (أَنْ يَذَّكَّرَ) من ذكر بمعنى تذكر وكذلك ليذكروا ووافقه الكسائي فيه.