يقدر له الهداية
ولم يوفقه لأسبابها. (فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) بخلاف الموفق الّذي له نور على نور.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ
كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ)(٤٢)
(أَلَمْ تَرَ) ألم تعلم علما يشبه المشاهدة في اليقين والوثاقة بالوحي أو
الاستدلال. (أَنَّ اللهَ
يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ينزه ذاته عن كل نقص وآفة أهل السموات والأرض ، و (مَنْ) لتغليب العقلاء أو الملائكة والثقلان بما يدل عليه من مقال
أو دلالة حال. (وَالطَّيْرُ) على الأول تخصيص لما فيها من الصنع الظاهر والدليل الباهر
ولذلك قيدها بقوله : (صَافَّاتٍ) فإن إعطاء الأجرام الثقيلة ما به تقوى على الوقوف في الجو
باسطة أجنحتها بما فيها من القبض والبسط حجة قاطعة على كمال قدرة الصانع تعالى
ولطف تدبيره. (كُلٌ) كل واحد مما ذكر أو من الطير. (قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) أي قد علم الله دعاءه وتنزيهه اختيارا أو طبعا لقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) أو علم كل على تشبيه حاله في الدلالة على الحق والميل إلى
النفع على وجه يخصه بحال من علم ذلك مع أنه لا يبعد أن يلهم الله تعالى الطير دعاء
وتسبيحا كما ألهمها علوما دقيقة في أسباب تعيشها لا تكاد تهتدي إليها العقلاء. (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ) فإنه الخالق لهما وما فيهما من الذوات والصفات والأفعال من
حيث إنها ممكنة واجبة الانتهاء إلى الواجب. (وَإِلَى اللهِ
الْمَصِيرُ) مرجع الجميع.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى
الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها
مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ
سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ)(٤٣)
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللهَ يُزْجِي سَحاباً) يسوقه ومنه البضاعة المزجاة فإنه يزجيها كل أحد. (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) بأن يكون قزعا فيضم بعضه إلى بعض ، وبهذا الاعتبار صح بينه
إذ المعنى بين أجزائه ، وقرأ نافع برواية ورش (يُؤَلِّفُ) غير مهموز. (ثُمَّ يَجْعَلُهُ
رُكاماً) متراكما بعضه فوق بعض. (فَتَرَى الْوَدْقَ) المطر (يَخْرُجُ مِنْ
خِلالِهِ) من فتوقه جمع خلل كجبال في جبل ، وقرئ من «خلله». (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ) من الغمام وكل ما علاك فهو سماء. (مِنْ جِبالٍ فِيها) من قطع عظام تشبه الجبال في عظمها أو جمودها. (مِنْ بَرَدٍ) بيان للجبال والمفعول محذوف أي (يُنَزِّلُ) مبتدأ (مِنَ السَّماءِ مِنْ
جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) بردا ، ويجوز أن تكون من الثانية أو الثالثة للتبعيض واقعة
موقع المفعول ، وقيل المراد بالسماء المظلة وفيها جبال من برد كما في الأرض جبال
من حجر ، وليس في العقل قاطع يمنعه والمشهور أن الأبخرة إذا تصاعدت ولم تحللها
حرارة فبلغت الطبقة الباردة من الهواء وقوي البرد هناك اجتمع وصار سحابا ، فإن لم
يشتد البرد تقاطر مطرا ، وإن اشتد فإن وصل إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها نزل
ثلجا وإلا نزل بردا ، وقد يبرد الهواء بردا مفرطا فينقبض وينعقد سحابا. ينزل منه
المطر أو الثلج وكل ذلك لا بد أن يستند إلى إرادة الواجب الحكيم لقيام الدليل على
أنها الموجبة لاختصاص الحوادث بمحالها وأوقاتها وإليها أشار بقوله : (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ
وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) والضمير لل (بَرَدٍ). (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) ضوء برقه ، وقرئ بالمد بمعنى العلو وبإدغام الدال في السين
«وبرقه» بضم الباء وفتح الراء وهو جمع برقة وهي المقدار من البرق كالغرفة وبضمها
للاتباع. (يَذْهَبُ
بِالْأَبْصارِ) بأبصار الناظرين إليه من فرط الإضاءة وذلك أقوى دليل على
كمال قدرته من حيث إنه توليد للضد من الضد ، وقرئ «يذهب» على زيادة الباء.
(يُقَلِّبُ اللهُ
اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤) وَاللهُ خَلَقَ
كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ