٥ ـ أثبت الطب الحديث أن المصاب بالصرع يشعر بآلام حادة في كافة أعضاء جسمه ، ويبقى حزينا كاسف البال بسببها ، وكثيرا ما يحاول مرضى الصرع الانتحار من قسوة ما يعانون من آلام في النوبات ، فلو كان ما يعتري النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عند حالة الوحي صرعا ، لأسف لذلك وحزن لوقوعه ، ولسعد بانقطاع الوحي عنه ، ولكن الأمر كان على خلاف ذلك لقد فتر الوحي عن الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مدة من الزمن فحزن حزنا شديدا ، وكان يذهب إلى غار حراء ، وقمم الجبال عسى أن يعثر على الملك الذي جاءه بحراء أول مرة حرصا عليه ، وأسفا على قليه وهجرانه له.
قال الزهري : عن عروة عن عائشة : «وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حزنا شديدا وغدا مرارا كي يتردى من شواهق الجبال وكلما أوفى بذروة ليلقي نفسه تبدى له جبريل فقال : يا محمد إنك رسول الله حقا ، فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال مثل ذلك» (١).
الخلاصة :
يظهر لنا من خلال هذه المناقشة والأقوال أن ظاهرة الوحي ربانية المنشأ ، ملائكية النقل ، بشرية التبليغ ، فرسولنا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مبلغ فقط ، لذا كان يحرص عليها كنعمة مهداة ، له من الله سبحانه وتعالى بقوله : «اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك ، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (٢).
ولم يكن نتيجة ترو فكري. يدل على ذلك حرصه على حفظه قال تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)(٣).
__________________
(١) انظر السيرة النبوية للإمام الذهبي ـ ص ٦٤.
(٢) انظر مسند الإمام أحمد ٢ / ١٦٨.
(٣) سورة القيامة : ١٦.