صلىاللهعليهوسلم ـ ويخاطبه بصوت قوي يشبه صوت الجرس يفهمه هو دون غيره.
وسبب المعاناة والتعب والكرب عند نزول الوحي ، لأنه أمر طارئ على الطباع البشرية.
وقال في الإمتاع : جعل الله تعالى لأنبيائه ـ عليهمالسلام ـ الانسلاخ من حالة البشرية إلى حالة الملكية في حالة الوحي فطرة فطرهم عليها ، وجبلة صورهم فيها ، ونزههم عن موانع البدن وعوائقه ما داموا ملابسين لها بما ركب في غرائزهم من العصمة والاستقامة فإذا انسلخوا عن بشريتهم وتلقوا في ذلك ما يتلقونه عادوا على المدارك البشرية لحكمة التبليغ للعباد. فتارة يكون الوحي كسماع دوي كأنه رمز من الكلام يأخذ منه المعنى الذي ألقي إليه فلا ينقضي الدوي إلا وقد وعاه وفهمه. وتارة يتمثل له الملك رجلا فيكلمه ويعي ما يقوله والتلقي من الملك والرجوع إلى البشرية وفهمه ما ألقي إليه كله يتم في لحظة واحدة ، بل أقرب من لمح البصر ، ولذا سمي وحيا.
وإنما كان التعب والشدة في حالة النزول ليبلو صبره فيرتاض لاحتمال ما كلفه من أعباء النبوة.
وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة الناتجة عن تلقي الوحي من زيادة الزلفى ورفع الدرجات (١).
فصور الوحي كلها تدل أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان في حالة تلقيه الوحي يكون في قمة الهدوء وسلامة الأعصاب ولم يكن يظهر عليه أي انفعالات عاطفية طاغية ، وهيجان أحاسيس كما زعم «نولديكه».
الشبهة الثالثة :
زعم بعضهم أن منشأ الوحي من أسباب طبيعية عادية كباعثة النوم أو
__________________
(١) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ١ / ٥٨ ـ ٦٠.