فيه وخير ما يوضح هذا الهدف قرارات مؤتمر (فينا) الكنسي الذي عقد سنة ١٣١٢ م.
واعتبار هذا الهدف هو أساس الأهداف كلها لا يعني أنه لا يوجد أهداف أخرى واكبت حركة الاستشراق في خلال مسيرتها. وسأستعرض هذه الأهداف بشيء من التفصيل .. والله الموفق.
١ ـ منع انتشار الإسلام في أوربا وغيرها والحيلولة بينه وبينهم ، حفاظا على سلطان الكنيسة ومغانمها. وذلك لما رأوا في الإسلام من تمتع بقوى ذاتية يصل من خلالها للنفوس ، بسبب جلاء معانيه ، وبساطة تعاليمه ، وانسجامه مع الفطرة ، وصلاحيته لكل زمان ومكان وفي كل الظروف (١) لذا قاموا بتشويه الإسلام ، وحجب محاسنه عن أقوامهم لإقناعهم بعدم صلاحيته لهم كنظام حياة.
وقد استغل المستشرقون كراهية الأوربيين للإسلام بسبب التوسع العثماني في أوربا ، وما صحبه من تعصب وحروب لعدة قرون ، فعمد المستشرقون إلى تعميق هذه الكراهية والأحقاد في نفوس الأوربيين وتغذيتها بالشبهات والأباطيل.
٢ ـ اقتباس أفكار إيمانية من الإسلام لتثبيت أقدام الكنيسة في بلادها بفكر ديني معقول. وهذا يظهر جليا في مسائل القضاء والقدر وكلزوم التداوي من الأمراض اليوم وخلاف ما كان يعتقده القوم سابقا (٢). واختيار الإنسان في أعماله الإرادية .. وفي مسائل الإيمان عامة كالإيمان بوحدة الكون ووحدة نظامه في الأرض والأجرام السماوية. وسلك رجال الكنيسة في إيراد الدلائل العقلية على الإيمان بالله كثيرا آخذيها من مسائل علماء الإسلام المتقدمين الواردة في الكتاب والسنة وكتب علم الكلام. ولا يعني هذا أن الفكر الكنسي الغربي قد خلص من جميع آفاته بل إنه لا يزال يعول على ما نسميه : العقيدة الاحتياطية ، والتي يقصدون بها أن العقيدة الدينية قضايا فوق العقل ، فالتسليم بها واجب
__________________
(١) وحي الله ـ د. عتر ص ٣٢.
(٢) انظر شمس العرب تسطع على الغرب للمستشرقة الألمانية زيغريد هونكه ـ ص ٢١٥.