مكارم الأخلاق) (١) وهذا المبدأ الذي جعل الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يحضر حلف الفضول في دار عبد الله بن جدعان قبل بعثته لأنه يتمشى مع فطرته ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويلائم ما نشأه الله عليه سبحانه. ومنه كان عليه الصلاة والسلام يثني على صاحب الخلق النبيل حتى لو كان مشركا كثنائه على حاتم الطائي لكرمه. وما كان منه مخالفا له فحاربه لمحاربته للشر وللخلق الهابط كمحاربته التعري حول البيت أثناء الطواف لعدم ملاءمته حرمة المكان ولمخالفته للفطرة السوية ولأنه تأباه النفس الأبية الزكية (٢) هذه هي نقطة اللقاء بين الإسلام والحنيفية لا كما يفهم المستشرقون.
ومن هنا يتبين الفرق بين نبوة كاملة تامة ، وشرع متكامل ، وقرآن معجز عظيم وبين بقايا دين طمس نوره بين حطام الجاهلية وأو حال الشرك والوثنية ، فالقرآن بما حواه من لغة رفيعة المستوى ، وأسلوب محكم بديع وبما فيه من فصاحة وبلاغة خارقة ، وحكم بالغة ، وأمثال محكمة ، وذكر لأحوال الماضين من أنبياء وأمم وأنباء المستقبل ، وعلاقة الإنسان بخالقه وعلاقته بغيره ، والتشريع العظيم الشأن الذي صار موضوع بحث الأئمة المجتهدين ، والعلماء الأعلام لا يكون مصدره اجتماع «زيد بن عمرو» برسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مصادفة في حراء أو في الطريق (٣) ولكنها الرسالة التي بعث بها أكرم رسول وهو محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من عند الله عزوجل. فوافق نوره بقايا النور الإلهي الضارب في أعماق التاريخ لإبراهيم عليهالسلام والذي حمل مشعله ركب الأنبياء الكرام من ذريته ، وتعهده الصالحون من أقوامهم ، أمثال هؤلاء الحنفاء الذين كانوا يتمنون أن يدركوه وينالوا من شرف الإسلام العظيم كما نال ذلك منهم أبو قيس بن الأسلت في المدينة المنورة وغيره.
__________________
(١) الموطأ للإمام مالك بن أنس ٢ / ٩٠٤ كتاب حسن الخلق باب ١ حديث رقم ٨ وهو بلفظ (حسن) بدلا من (مكارم).
(٢) انظر سيرة بن هشام ١ / ١٤٢ ، وانظر رد مفتريات على الإسلام ، د / عبد الجليل شلبي ص ٨٠.
(٣) حياة محمد (صلىاللهعليهوسلم) محمد رشيد رضا ص ٥٦ ـ ٥٧.