الثاني : القول بالنيابة وحاصله أنّه ليس هناك علم ولا قدرة ولا حياة ولكن يترتب على الذات ما يترتب على وجود هذه الصفات ، فالذات لأجل كمالها تقوم مقامها وهذا القول منقول عن بعض المعتزلة (١). وهو أيضاً مخالف للبرهان وظاهر الكتاب والسنّة.
إنّ هناك طائفة جليلة وفي مقدّمتهم الراسخون في الحكمة الإلهية جمعوا بين بساطة الذات واتّصافه بحقائق هذه الأوصاف بمعنى : إنّ وجوداً واحدا كلّه علم ، وكلّه قدرة ، وكلّه حياة ، لا أنّ بعضه علم ، وبعضه الآخر قدرة ، وبعضها الثالث حياة ولا يقف عليه إلاّ من له قدم راسخ في الأبحاث الفلسفية ولأجل ذلك نرى أنّ الفخر الرازي يردّ هذه النظرية بسهولة ، فيقول « وهذا أيضاً ضعيف لأنّ المفهوم من كونه « قادراً » غير المفهوم من كونه « عالماً » وحقيقة الذات الواحدة ، حقيقة واحدة والحقيقة الواحدة لا تكون عين الحقيقتين ، لأنّ الواحد لا يكون نفس الاثنين » (٢).
ثمّ اختار أنّ صفاته سبحانه زائدة على الذات ولم يبال بوجود الكثرة في ساحة الذات وتعدد القدماء ، والحقّ إنّ المسألة تعدّ من الأسرار الإلهية التي يستصعب ادراكها إلاّ على من آتاه الله من لدنه علماً وحكمة كما أشار إليه صدرالمتألّهين (٣).
فنقول : إنّ ما ذكره الرازي مردود بوجهين :
أوّلاً : فبالنقض بأنّ موجوداً امكانياً كزيد كلّه معلوم لله سبحانه ، وكلّه مقدور له وحيثيّة المعلومية في الخارج ، نفس حيثية المقدورية وليست حيثية المعلومية في الخارج مغايراً لحيثية المقدورية ، وإلاّ يلزم أن تكون الحيثيّة الثانية غير معلومة لله سبحانه ، وهو خلف ، لفرض كونه عالماً بكلّ شيء ولأجل ذلك نقول : ثبت في
__________________
(١) هو رأي « عبّاد بن سليمان المعتزلي » والجبائيين خلافاً لأبي الهذيل العلاّف عنهم ، لاحظ « بحوث في الملل والنحل ج ٢ ص ٨٠ ـ ٨١ ».
(٢) لوامع البينات للرازي ص ٢٤.
(٣) الأسفار الأربعة : ج ٦ ص ١٠.