ويمكن أن يقال : إنّ القدرة من التقدير وهو التحديد وتبيين كمّيّة الشيء ، وإشتقاق القدرة بمعنى الاستطاعة لأجل أنّ القدرة تلازم تحديد الشيء وتقدير كميّته ، ولعلّ هذا مراد ابن فارس من قوله : « مبلغ الشيء وكنهه ونهايته ».
ثمّ إنّ الراغب فسّر القدرة في حقّه سبحانه بنفي العجز ، وهذا مبنيّ على ارجاع الصفات الثبوتية إلى السلبيّة وهو منظور فيه ، وعلى كل تقدير فالمفهوم من القادر والقدير شيء واحد إلاّ انّ القدير أبلغ وآكد في الدلالة على القدرة.
فسّر المتكلّمون القدرة بتعريفين :
١ ـ صحّة الفعل والترك ، فالقادر هو الذي يصحّ أن يفعل ويصح أن يترك.
٢ ـ الفعل عند المشيئة والترك عند عدمها ، فالقادر من إن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل ، أو إن لم يشاء لم يفعل (١).
ولا يخفى انّ التعريفين يصدقان في حقّ الإنسان ، أمّا التعريف الأوّل فلأنّ صحّة الفعل والترك عبارة عن أمكانهما ، والامكان إمّا امكان ما هوى وهو عبارة عن كون الفاعل ذا ماهيّة يكون نسبة الفعل والترك إليها متساوية ، وإمّا امكان استعدادي وهو كون الفاعل ذا قّوة استعداديّة تخرج الشي من القوّة إلى الفعل كالاستعداد الموجود في البذر والنواة الذي يعطي صلاحيّة لهما بأن يكونا ذرعاً أو شجراً والامكان الاستعدادي من مظاهر المادة ، والله سبحانه منزّه عنها وعن شأبتها.
وأمّا التعريف الثاني فلأنّ قول القائل بأنّ القادر إن شاء فعل وإن شاء لم
__________________
(١) اوائل المقالات : ص ١٢ ، كشف الفوائد للعلامة الحلي : ص ٣٢ ، الاسفار : ج ٦ ، ص ٣٠٧ و ٣٠٨ ، وقال ابن ميثم في « قواعد المرام في علم الكلام » : ص ٨٢ عرّفها المعتزلة بأنها عبارة عن كون الفاعل بحيث إذا شاء فعل وإذا شاء لم يفعل.